خباب مروان الحمد يكتب: التخصصات العلمية والحرفية.. وأحكامهم الشرعية
[ما دورُ أهل التخصصات العلمية والحرفية في تعلُّم الأحكام الشرعية المتعلقة بهم؟!]
ذكر فقهاء الإسلام أنّه يلزم على كلّ من له علاقة باختصاصٍ في عملٍ أن يتعلّم الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا العمل.
لهذا أوجبوا تعلّم أحكام الحج لمن يريد الحج..
وأحكام الصيام لمن يريد الصيام..
والأحكام المتعلقة بالزكاة لمن يلزمه أن يزكي.
وكذلك كما قال العلاّمة ابن عابدين الحنفي: ” والبيوع على التجّار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحِرَف، وكل من اشتغل شيءٍ يُفترض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه”.
وقال الإمام الغزالي:” فيلزمه السؤال عن كل ما يقع له من النوادر، ويلزمه المبادرة إلى تعلُّم ما يُتوقّع وقوعه على القُرْبِ غالباً”.
ومن هنا فثمّة قضايا لابد من تسليط الضوء عليها:
1- كلُّ صاحب مصلحةٍ أوعمل أووظيفةٍ يعلم عن نفسه تخصصه في مجاله؛ فليصدق نفسه القول: ما نصيب تعلّمه للأحكام الشرعية المتعقلقة بدائرة اهتمامه؟!وهل سعى وبحث بالفعل لكي يتعلّم هذه المسائل؟!
2- يكتفي بعضهم بالسؤال والاستفتاء عن الشيء الذي يريد القيام به؛ وهذا لا ريب تقصير وتفريط؛ فإنّ السؤال والفتوى قد تَرِد في ذهن المرء إذا أراد ممارسة عملٍ ما؛ لكنّه قد لا يرد في ذهنه الكثير من المسائل؛ لظنّه أنه جائزة أومحرّمة؛ فيكتفي بجهله عن أن يسعى للتعلم؛ مع أنّه قد يسأل عمّا الأولى أن يبحث عن أحكام تعلّمه.
3- كثيرٌ من هؤلاء يقولون: لا نجد لدينا الوقت الكافي للتعلم!
والحقيقة أنّها حجّة واهية، ولوفتّشوا جيداً في أوقاتهم؛ لوجدوا الكثير مما يضيع سُدى لا فائدة منه ترتجى.
4- يتذرّع هؤلاء أنّه لا يوجد أهل علمٍ يوضحون مسائل الشريعة؛ وهذه حجّة ساقطة؛ فأهل العلم بين الأيادي؛ لكن كثيراً من الناس يكفُّون أيديهم عن التواصل معهم.
وقد يقولون: لا توجد دروسٌ علميّة.
فيُقال: بل توجد، ولكن التقصير منكم.
وقد يقولون: لكنها بعيدة عنّا، ونحن لا نستطيع المجيء إليها.
فيُقال: دروسُ العلم تُؤتى ولا تأتي، وأنتم أصحاب الحاجة؛ فابحثوا لمن يحقق لكم حلول حاجاتكم، وكما أنّ للطبيب عيادته، وللمهندس مكتبه، فللعالِم مسجده أومكان عمله، وأعتقد أنّه لوعَلِمَ أهل العلم عن وجود فئةٍ ما تريد أن تتعلم وتجتمع في مكان محدد لما امتنعوا عن ذلك بل قاموا به احتساباً للأجر.
وقد يُقال: لكن دروسهم صعبة علينا؛ وقد لا نفهم كل شيء يقولونه؛ فيُقال: كل شيء بدأ به المرء يكونُ صعباً حتى أعمالكم كانت صعبة في البداية؛ ثمّ هل جرّبتم أن اجتمع عددُ منكم وطلبَ من العالِم أن يخصّه بدوره علميّة فيما يهمّكم في أمور دينكم.
5- قد يُقال: لكن الظروف السياسية والأحوال التي نعايشها تمنعنا.
فيُقال: هذه حجّة العاجز، وأمنيّة الكسلان، وبقدرٍ ما كانت الظروف السياسية صعبة؛ إلاّ أنّه لا يُظنّ أنّ لقاءُ علمياً جرى بين أهل تخصص في عمل وعالمٍ يُعلمهم في مكانٍ محدد ستقام عليه الويلات والثبور وعظائم الأمور، بل لوافترضنا عدم وجود ذلك فإنّ الحريص يُمكنه أن يُنسّق ذلك من خلال منصّات التعليم عبر الشبكة العنبكوتية.
6- ومن هنا فإنّ الواجب على أهل المصانع والمؤسسات الكبرى والمستشفيات والمتاجر والشركات والمراكز الربحية أن يتعلّموا ما يخصهم ويمسّ أمور دينهم، كما أقترح على مؤسس أي مشروعٍ من هذه المشاريع أن يُوظّف عنده (مدقق شرعي) ويبحث عن طالب علمٍ صاحب كفاءة يفيده في إبرام العقود، ويُصحح الفاسد منها، ويحسب شرعاً الواجب في نصاب زكاته، ويُفيده في المعاملات البنكية والدولية وما يُحتاج إليه؛ وكلٌ حسب اختصاصه.
هذا والله من وراء القصد، وهويقول الحق وهويهدي السبيل.