تعيش الساحة الليبية حالة من الترقب بعد حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطة مرتقبة لتسوية الأزمة الليبية، في وقت يزداد فيه الجمود السياسي حدة، وتغرق البلاد في انقسامات مزمنة منذ أكثر من عقد من الزمان. وعلى الرغم من غياب التفاصيل الرسمية للخطة، إلا أن إشارات البيت الأبيض ومواقف مستشاريه دفعت عدداً من السياسيين الليبيين والمحللين إلى طرح سيناريوهات مختلفة لمستقبل المشهد الليبي.
حديث مبهم يفتح الباب للتكهنات
أثار تصريح ترمب، الذي تحدّث فيه عن خطة أميركية دون أن يفصح عن تفاصيلها، اهتمام الأوساط السياسية في ليبيا، خاصة بعد تصريحات مسعد بولس، مستشار ترمب للشؤون الأفريقية، التي شدّد فيها على ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية “عادلة وشفافة ومُرضية للجميع”. وقد فهم البعض هذا التصريح على أنه إيذان بتدخّل أميركي مباشر في الأزمة الليبية، وربما تغيير قواعد اللعبة السياسية.
خطة “تغيير جذري” أم إعادة توازن؟
يرى فيصل الفيتوري، رئيس الائتلاف الليبي-الأميركي، أن المسار الأميركي قد يتجه نحو تغيير شامل في بنية السلطة الليبية، من خلال تعيين مبعوث رئاسي خاص لليبيا بصلاحيات واسعة، يعمل بالتوازي مع جهود الأمم المتحدة. ويفترض هذا السيناريو حل أو تجميد عمل الأجسام السياسية الحالية، وعلى رأسها البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والحكومتين في الغرب والشرق، مع تشكيل لجنة وطنية مستقلة لم يسبق لأعضائها أن شاركوا في الحكم.
كما رجّح الفيتوري أن تطرح واشنطن فكرة مؤتمر دولي على غرار مؤتمر “الطائف” الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، في سياق حل إقليمي ودولي أكثر شمولاً، مع تفعيل أدوات ضغط تشمل محكمة الجنايات الدولية وقانون الاستقرار الأميركي، مقابل منح حوافز اقتصادية تشمل الإفراج التدريجي عن الأموال الليبية المجمدة بشروط صارمة.
انقسام في الرؤى: بين دعم الإصلاح وتجنب التصعيد
بينما رحّب بعض المراقبين بأي تحرك دولي ينهي حالة الانسداد السياسي، يرى آخرون أن واشنطن ربما لا تسعى إلى تسوية شاملة بقدر ما تهدف إلى إعادة التوازن بما يخدم مصالحها. في هذا السياق، ترى النائبة ربيعة بوراص أن الولايات المتحدة ستركز على حماية مصالحها الاقتصادية والأمنية في ليبيا، أكثر من تركيزها على التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان.
وتوقعت بوراص أن تكون خطة ترمب براغماتية تهدف إلى الحفاظ على التوازنات الحالية قدر الإمكان، دون السعي إلى إقصاء الأجسام السياسية القائمة، بل ربما تعتمد على إعادة صياغة التحالفات المحلية وفق تطورات الوضع الميداني، وضمان عدم وقوع البلاد تحت نفوذ قوى دولية منافسة.
خشية من إقصاء قوى سياسية
في المقابل، لا يستبعد المحلل السياسي أيوب الأوجلي أن تسعى إدارة ترمب إلى إقصاء أحد أطراف الأزمة وتدعيم طرف آخر، لضمان استقرار سريع يتيح التوجه نحو انتخابات عامة خلال عام واحد، مشيراً إلى أن واشنطن تدرك حجم الخلافات المتجذرة بين الأطراف الليبية، والتي قد تعرقل أي حوار شامل.
هل تنجح واشنطن في اختراق الجدار الليبي؟
يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طرابلس، أحمد الأطرش، أن نجاح أي خطة أميركية يتوقف على قبول إقليمي ودولي واسع، ضمن ترتيبات لتقاسم النفوذ والمصالح في ليبيا. فالحل الأميركي لا يمكن عزله عن تعقيدات التنافس بين القوى الكبرى، والفاعلين الإقليميين في الشأن الليبي، سواء في ملفات النفط أو الأمن أو الهجرة.
ويحذر الأطرش من هشاشة الوضع الأمني، خاصة في مناطق نفوذ “سلطات الأمر الواقع”، والتي قد تقاوم أي مسعى دولي يمس مصالحها أو وجودها، خاصة إذا ما شعرت بتهميشها أو محاولة فرض حلول خارجية لا تراعي توازنات الداخل.
تباين في الموقف الأميركي
رغم التصريحات المتفائلة، يُبدي بعض المسؤولين الأميركيين السابقين تحفظاً تجاه الحديث عن “تغير جذري” في السياسة الأميركية. فقد قال بين فيشمان، عضو مجلس الأمن القومي الأميركي سابقاً، إن تصريح ترمب الأخير “لم يكن إلا مرورًا إعلاميًا”، مذكّراً بأن مستشاره مسعد بولس لم يحضر مؤتمر برلين الدولي الأخير حول ليبيا، وهو ما يضع علامات استفهام حول جدية واشنطن في قيادة حل شامل.
العقوبات والرسوم الجمركية: ورقة ضغط أم إشارة رمزية؟
في خضم هذه التحركات، فرضت واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 30% على عدد من الدول من بينها ليبيا، دون أن يشمل القرار النفط الليبي، الذي يُعد المصدر الرئيسي للدخل في البلاد. ويرى الخبير الاقتصادي عمر زرموح أن القرار لن تكون له آثار اقتصادية مباشرة على ليبيا، لكنه ربما يعكس توترًا دبلوماسيًا خفيًا، ويعقد مساعي تحسين العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
رغم غموض التفاصيل، تلوح في الأفق ملامح خطة أميركية جديدة للتعامل مع الأزمة الليبية، قد تمثل فرصة نادرة لكسر حالة الجمود الراهنة. ومع ذلك، تبقى فرص نجاحها رهينة بالتفاهم مع القوى المحلية والإقليمية، ومدى قدرتها على تقديم حل يُرضي مختلف مكونات المجتمع الليبي، ويحترم تطلعاته لبناء دولة مستقرة وذات سيادة، بعيداً عن الانقسامات ودوائر النفوذ الخارجية.