في تطور يعكس تصاعد المخاوف من امتداد التصعيد الإيراني-الإسرائيلي إلى الساحة الخليجية، اتخذت عدد من دول الخليج العربي، الأحد، إجراءات احترازية مكثفة تحسبًا لأي رد إيراني محتمل بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية فجر اليوم نفسه. وتعيش العواصم الخليجية حالة ترقب عالية في ظل تحذيرات متزايدة من أن تكون بعض المنشآت الحيوية في الخليج أهدافًا لردود إيرانية انتقامية، خاصة تلك التي تضم قواعد عسكرية أمريكية.
سياق الأزمة: من الضربة الإسرائيلية إلى الصدمة النووية
بدأ التصعيد الحاد قبل أكثر من أسبوع، حين شنت إسرائيل ضربات استهدفت قادة عسكريين إيرانيين داخل الأراضي الإيرانية، تلاها هجوم أمريكي واسع النطاق فجر الأحد استهدف منشآت نووية حساسة في نطنز وفوردو وأصفهان، مما أدى إلى “تدمير كبير” في البنية التحتية النووية، وفق ما أكدت تقييمات إسرائيلية وأمريكية أولية.
ردًا على هذه الضربات، توعدت إيران بالرد عبر “خيارات متعددة”، في حين قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده “لن تمرر هذا العدوان دون حساب”، ما أثار القلق من أن تكون دول الخليج، خصوصًا تلك التي تستضيف قوات أمريكية، في مرمى النيران القادمة.
البحرين في الواجهة: دولة القاعدة البحرية الأمريكية
مملكة البحرين كانت من أولى الدول التي بادرت بتفعيل خطط الطوارئ. فقد دعت وزارة الداخلية البحرينية المواطنين إلى تجنّب التنقل غير الضروري، واستخدام الطرق الرئيسية “عند الحاجة فقط”، بسبب ما وصفته بـ”التطورات الأمنية الإقليمية الحرجة”.
ويُذكر أن البحرين تستضيف القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية (الأسطول الخامس)، ما يجعلها هدفًا استراتيجيًا محتملًا لأي رد إيراني. وفي خطوة إضافية، أمرت الحكومة البحرينية نحو 70% من الوزارات والهيئات الحكومية بالعمل عن بُعد، كما طلبت من المدارس تفعيل منصات التعليم الإلكتروني.
الكويت: ملاجئ جاهزة وتدابير احترازية
وفي الكويت، أعلنت وزارة المالية عن بدء تنفيذ خطة الطوارئ، حيث تم تجهيز ملاجئ في المجمعات الحكومية تتسع لنحو 900 شخص، في تحرك استباقي يعكس حجم القلق من امتداد نيران المواجهة إلى الداخل الخليجي.
ولم تعلن الكويت عن تفاصيل تخص التهديدات المباشرة، لكنها أبدت استعدادًا كاملًا للتعامل مع أي طارئ، خاصة مع وجود قواعد أمريكية نشطة داخل البلاد، ما يجعلها من ضمن النطاق العملياتي في حال قررت طهران الرد عبر استهداف مواقع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
حالة قلق شعبية وعالمية بين السكان والمقيمين
لا يقتصر التوتر على الحكومات فقط، بل انتقل إلى المواطنين والمقيمين الأجانب في المنطقة. وقالت مقيمة أمريكية في الإمارات لـCNN إنها تدرس تقديم موعد عودتها إلى بلادها خوفًا من تصاعد الموقف، في حين أعربت سيدة كندية مقيمة في أبو ظبي عن قلقها من احتمال انقطاع الرحلات الجوية في حال توسعت رقعة الصراع.
ويشكّل الأجانب ما يقرب من 50% من سكان دول الخليج، وتزايدت مخاوفهم من أن تتحول الدول المستقرة التي يقيمون فيها إلى ساحة رد غير مباشر في الحرب الإيرانية-الإسرائيلية-الأمريكية.
هل تتحقق المخاوف الخليجية؟
رغم حدة التصريحات الإيرانية، إلا أن الرد الإيراني لم يتجه حتى الآن نحو استهداف دول الخليج بشكل مباشر. بل ركّزت إيران في هجومها الصاروخي على إسرائيل بعد الضربات الإسرائيلية الأولى، ومن ثم توعدت برد شامل بعد الضربة النووية الأمريكية.
ومع ذلك، فإن وجود قواعد عسكرية أمريكية في البحرين وقطر والكويت والإمارات يجعل هذه الدول عرضة لخطر غير مباشر في حال قررت طهران ضرب المصالح الأمريكية أينما وُجدت. كما أن أي خطأ في الحسابات أو هجوم محدود قد يشعل حريقًا إقليميًا يشمل الخليج رغم عدم تورطه المباشر.
احتمال الأضرار والخسائر الخليجية
الضرر المتوقع، في حال تعرض الخليج لأي تصعيد، لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يمتد إلى:
الاقتصاد: من خلال اضطراب إمدادات الطاقة والنقل البحري في الخليج العربي.
الطيران: بتأثير محتمل على حركة الملاحة الجوية في مطارات الخليج.
السياحة والاستثمار: التي قد تتلقى ضربة في حال تفاقم الخطر الأمني.
البيئة: خاصة إذا شملت الضربات مواقع نووية قد تسرب مواد مشعة.
وقد طمأنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن مستويات الإشعاع لم تتغير خارج المواقع الإيرانية الثلاثة المستهدفة، لكن القلق لا يزال قائمًا بشأن إمكانية حدوث تلوث نووي، خصوصًا مع قرب دول الخليج جغرافيًا من إيران.
ختامًا: الخليج في عين العاصفة دون أن يطلق رصاصة
حتى الآن، تبدو دول الخليج في موقف الدفاع، تحاول عبر الإجراءات الاحترازية تقليل المخاطر المحتملة، لكنها لا تزال خارج دائرة الاستهداف المباشر. إلا أن هشاشة الوضع الإقليمي، وطبيعة الحرب غير المتوقعة، تجعل من الخليج منطقة حرجة قد تنتقل إليها النيران في أي لحظة إذا قرر أحد الأطراف توسيع رقعة المواجهة.
ويبقى السؤال معلقًا: هل تتجنب دول الخليج شر الحرب القادمة، أم تكون أول من يدفع ثمنها الجانبي؟