في خضم أزمة إنسانية خانقة عاشها قطاع غزة على مدى أكثر من عامين من الحصار المشدد، جاء دخول المساعدات الإنسانية كاستجابة متأخرة، ولكنها حتمية، لما آلت إليه الأوضاع من انهيار شبه تام في كافة مناحي الحياة.
لم يكن القرار بالسماح بمرور الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والطبية نتيجة لتعاطف مفاجئ أو تغير في سياسة الحصار، بل كان ثمرة ضغوط متراكمة، دولية وإقليمية، بلغت ذروتها مع تزايد التقارير عن مجاعة فعلية تضرب الأطفال والمرضى في القطاع.
وقد حذرت منظمات كبرنامج الغذاء العالمي وأطباء بلا حدود من أن التأخير في إدخال المساعدات يرقى إلى جريمة بحق الإنسانية.
ومع تصاعد الأصوات الغاضبة في العواصم الأوروبية، وتنامي النقد في مؤسسات حقوق الإنسان، بدا واضحًا أن إسرائيل باتت تواجه ضغوطًا لا يمكن تجاهلها. فتح ممرات المساعدات.
في هذا السياق لم يكن مجرد استجابة إنسانية، بل خطوة محسوبة لتجنب الإدانة الدولية المتزايدة والعزلة السياسية التي بدأت تلوح في الأفق، خاصة في ظل وجود ملفات مفتوحة أمام المحاكم الدولية بشأن سلوك الجيش الإسرائيلي في القطاع.
ورغم دخول المساعدات، فإنها لا تزال تمر عبر مسارات معقدة وتحت رقابة إسرائيلية مشددة. كل شاحنة تُفحص بدقة، وكل صنف يُراجع، مما يُبطئ العملية ويجعلها غير قادرة على سد الفجوة الحقيقية في الاحتياجات. المساعدات تصل، نعم، ولكنها مشروطة ومحدودة، وتخضع في كثير من الأحيان لحسابات سياسية أكثر من خضوعها لمعايير إنسانية.
في المقابل، لم يُخفِ كثير من الفلسطينيين شكوكهم حول هذه الخطوة. بالنسبة لسكان غزة، لا تمثل هذه المساعدات سوى قطرة في بحر المعاناة، تُستخدم أحيانًا كورقة مساومة أكثر من كونها بادرة إنقاذ.
ويرى مراقبون أن إسرائيل تحاول عبر هذه الخطوة امتصاص الغضب الدولي، دون أن تُقدِم على تغيير جذري في سياستها تجاه القطاع.
منظمات الإغاثة الدولية، رغم ترحيبها الحذر، حذّرت من أن هذه الخطوة لا تكفي، وطالبت بإدخال المساعدات دون قيود وبإشراف أممي مباشر، كما شددت على ضرورة فتح المعابر بشكل دائم، لا أن تكون المساعدات مرهونة بحسابات أمنية أو سياسي
وبينما يتنفس سكان غزة قليلًا من الأمل، يبقى القلق حاضرًا. فالتجارب السابقة علّمتهم أن الانفراجات الجزئية سرعان ما تتبخر، وأن الحصار قد يُخَففُ ليوم، ليعود أكثر إحكامًا في اليوم التالي.
وبهذا، يظهر أن دخول المساعدات لم يكن نهاية للمعاناة، بل محطة وسط أزمة أطول، لا يمكن حلّها إلا بتغيير جذري في السياسة، وضمانات دولية تُعيد الاعتبار للبعد الإنساني فوق كل الاعتبارات الأخرى.