صدر حديثا للشاعر الراحل “سليمان عبد الشافي العزب“، ديوان (ديوان الشباب)، وذلك بعد 47 سنة من مغادرته للدنيا..
وقد صدر للعزب (رحمه الله) بعض الدواوين الشعرية بعد وفاته، عن طريق ابنتيه: تكريم العزب وعلياء العزب، وهما يقومان بمجهودات خارقة في تجميع الأعمال الشعرية لوالدهما، ونشرها على نفقتهما، وهذا هو المشهد الأروع للصدقة الجارية، والعطاء السامي المتواصل بعد حوالي 47 عاما من رحيل الأب..
والشاعر “سليمان عبد الشافي العزب” من الشعراء العرب في معجم البابطين للقرن العشرين،
الميلاد: 1911م، الدقهلية
الوفاة: 13 سبتمبر 1977م، بمسقط رأسه (قرية كوم النور، مركز ميت غمر، الدقهلية)
تركَ الشاعر حوالي 35 ديوانا، صدر منها للآن 13 ديوانا، منها 10 دواوين ضمن قائمة المكتبات العامة والخاصة بوزارة التربية والتعليم، والتعليم الفني
نُوقشت عنه رسالة ماجستير للباحثة: هبة محمد حسن
من أشهر إصداراته:
– ترانيم النور
– يوسف عليه السلام (مسرحية شعرية)
– مولد النور (مسرحية شعرية)
– ثورة وحب.
– ألوان
– بين هدير الأمواج
– باقة من شعري
– باقة من شعري (2).
– شموع لن تنطفىء.
– ترانيم البلبل.
المقدّمة
وقبل أن نتجوّل في ديوان العزب الجديد، نتوقّف أمام المقدمة الماتعة التي تتصدّر الديوان للأستاذ الدكتور عزت جـاد (كلية الآداب، جامعة حلوان)، وابنة الشاعر الراحل: الأستاذة تكريم العزب، وهي لغوية متخصصة:
(البراءة، الإشراق، الالتزام، الاحترام، الأناقة، الأزلية، السـرمدية، التواصل من المنبع حتى المصب، احترام القواعد والأصول والنواميس التي تحكم الفكر الإبداعي، الوضوح، البساطة، التلقائية، العفوية، النظامية، غلبة الفكر والمنطق والعقل على بواعث الإحساس والشعور والوجدان.
الأمد الطويل، الصبر الجميل، دفء المشاعر، نبل العواطف، التحليق في أفق التخييل؛ على استحياء شديد، ومن خلال الصور الجزئية، وما جبلت عليه البلاغة القديمة، خطاب الرسالة بين المرسل والمستقبل، على نحو يحترم أصول التواصل في منحاه الأصولي بوصفه الأرقى، دون تمرد أو اشتعال مفتعل للذات، وتفعيل الكيان الفردي، فقط لأنها الكلاسيكية الفطرية الواعية بأنماط وأشكال فنية تنتصر لكل ما هو سابق على ما هو لاحق.
ذلك هو الكيان الإبداعي للشاعر (سليمان عبدالشافي العزب)، يحمل في طياته عبق الرحيق الأول، والحياة الملتئمة، على أسباب الروعة، وفق رؤى محددة، وكيانات قائمة، على معطيات الوجود الإنساني الفاعل؛ للدرجة التي يمكن أن تتغير معها هذه الحياة، إلى كيانات شعرية حية، تتحول معها الجوامد والسواكن إلى أنفاس وتنهدات، وعصارات تسري في أشجارها الوارفة؛ فتصبح مجتمعًا حيا في تجسيد وجودي مثالي؛ على الرغم من شدة انتمائه إلى الواقع.
إن فنون الإبداع تتلون وتتحور وتتبدى في رؤى مختلفة من الكلاسيكية الأولى إلى ما بعد الواقعية السحرية، وفي كل حالة إبداعية صادقة نتحرى الروعة والمصداقية والرعشة الخالصة؛ أملا في تحقيق وجود نوعي متميز، والشاعر الصادق هو الذي يستطيع المروق من حالته الإبداعية الخالصة إلى معية القارئ، أيا كانت وجهة الانطلاق، وفي قصيدة (سليمان العزب) يمكنك أن تصطلح مع اللغة وفق رؤية مائزة، تحترم كيانك الماثل على ضفاف الواقع، في إطار عقلي منطقي، فتغدو إزاء صوت متفرد يستجلب أصول التكوين الأول.
مع الصورة البسيطة تتألق آلية التخييل المختلفة بركون إلى غياب الصورة الكلية، فتتحول المفردات عبر منظومتها إلى كيانات قائمة بذاتها، غير أنها نظمت بأيدي صانع ماهر، ينـحت هذا التكوين من بيئته الخاصة، تلك التي يمكن أن تنسحب على شريحة واسعة من حياة الإنسان البسيط في كل ربوع الوطن، ثم يأتي حضور خفي في مفارقة بلاغية قد تشمل الأفكار أو المفردات أو الصور الجمالية، تواصلا مع أولئك السابقين في توجهاتهم الكلاسيكية الرائدة، بدءًا من البارودي إلـى شوقي وحافـظ، ثم خصوصية تأثير محمود حسـن إسماعيـل، ومع كـل يـبدو (سليـمان العزب) حقلا خصـبا لرصد الأحداث ونظم الوقائع في حلم، وتنوع، ومثابرة، وكأنها نكهة الصدق، مع تنوع الروافد والمشاعر الحسية والعقلية. إنها الحياة، الزمن التاريخ توشك أن تحفل بكيان الشاعر الجاد، المخلص، لكل تجاربه الإبداعية، حتى يقدم لنا وجبة سائغة أقل ما يقال فيها إنها أنفاس طيبة لحياة رائقة يصبح معها الشعر هو جهازها الإعلامي ونبضها الحي الذي بث لنا صورة حية لزمن بريء جميل، عسى أن تلتئم جراح الروح، وتتفتح أزاهير لوزات الوجود، لغة وصورًا، وجملًا، وبنية، طيعة، سائغة الإيغال في مدارك الإحساس، وكأنها النبتة الصادقة المزروعة في خصب المعرفة، لتأتي بمرور الزمن، بعبق الجمال، وصدق الرحمات، على تلك الروح الصافية، والرائقة والصادقة، والمتألقة، والتي لم ينقض نحبها بعد)
وتضيف السيدة الفاضلة تكريم العزب والأستاذ الدكتور عزت جاد، في مقدمتهما المشتركة: (من بين ما يربو على خمسة وثلاثين ديوانا، حاولت أن أنقل للقارىء تجربة شعرية خصبة، ورؤية فنية متميزة وعبثا ما حاولت !!فالشاعر سليمان العزب (1911م – 1977م) كانت كل حياته تجربة شعرية شاملة، لم يدع صغيرة ولا كبيرة فيها إلا أحصاها شعرًا، في شتى الأغراض الشعرية فضلا عن كتابته للمسرحية الشعرية، والأوبريت، والزجل، والشعر للأطفال، وعلى الرغم من ذلك، فإن الشاعر لم ينل حظه من الذيوع في أي مما كتب، سوى بعض البرامج الإذاعية التي تبنّت أشعاره برهة وجيزة من الزمن، بالرغم من بزوغ نجم شاعريته علـى مجـد شوقـي وحافـظ، وارتوائه مـن مدرسـة الديوان، وعشـقه لمحمود حسن إسمـاعيل، ثم استوائه على نهج المحافظين.. وكان أمرًا محيرًا حقًا، ذلك الذي كان عليه الشاعر من صبر وجلد في مغالبة القصيدة حتى فاقت أحيانا السبعين بيتا، فضلا عن سلاسة اللفـظ، وخصوبة الصياغـة، وامتلاكـه لناصـية القوافـي والعــروض، وقدرته علـى احتواء اللغة، ونقاء السريرة، وخصوبة الروافـد المعرفـية والثقافـية.. إنه شاعر من زمن لم يحده غبار الثقافة المستبدة، وشاءت له المقادير الاجتماعية والتاريخية والثقافية، أن يكـون من خواتيم عهـدٍ بـريء فـي إبداعاته ومعايـيره، وبـدايـة عهـدٍ جـديـد)
يقول الشاعر الراحل في قصيدته “طلب العلم”
إن كنت تسعى لمجدٍ فيه تخليدُ
فانهض إلى العلم إن العلمَ محمودُ
من يبتغي العلم لا ينفك مرتديا
للمكرمات وحُسن الذّكر منشودُ
بالعِلْمِ شيدَتْ بِلادٌ مِثْلَما إرَم
وحَالَةُ الجَهْلِ تَخْريبٌ وتَهْدِيدُ
كم جاهلٍ موسرٍ حطت مكانته
ولم يعنه على العلياء مجهودُ
فإن يكن عالم والفقرُ حل به
ففخره بالعلا والعسرُ مبعودُ
إلى متى يَعْظم الجُهّال مِنْ بَذَخٍ
أو يَفْتَحوا بابَهم والبابُ مَوْصُودُ
وهل أقر بتعظيمٍ لهم وعلا
وكيف لي وحليفُ الجهل جلمودُ
قل لي بربك إني لست مدكرا
شأنا لمالٍ عليه الجهل عربيدُ
فهل يظل طويلا أم ستحمده
يد الزمانِ وهل في الجهل تحميدُ
لا تبخسوا المال كم نعمَى تجيءُ به
حقًا أراه فحب المالِ مقصودُ
المالُ نفع وعينُ العلم تكلؤه
فإن تباعد عنها فهو مهدودُ
وبعثرته يد التبذير من صلف
بالغانيات وقسر الخرد الغيدُ
وفي قليلٍ من الأيام صاحبه
يلقى الهوان وحبل الفقر مشدودُ
ولو تبصّر والتعليم يرشده
عونا لأضحى له بالعلم تمجيدُ
***
فابغِ العلومَ تفزْ بالخيرِ أعظمَهُ
واشفْ الفؤادَ بعلمٍ روحه عودُ
واعْملْ بقول نصيح ساقه وَلعٌ
بالصالحاتِ ومن في الخيرِ صنديدُ
يهوى الجمالَ ولا يرضى به بَدَلا
وقَصْده السَّيف والقِرطاس والجُودُ
وقوله صادق والنبل سطره
ونهجه في رياض العلم تغريدُ
إذا ترنم شاد يبتغي وطرا
في أي نفعٍ فإني فيه داودُ
***
والدهرُ حالاته للحُـر قاتلةٌ
كم يبتليه بضيم وهو مفئودُ
فالعيشُ لا شك غدرٌ لا أمان به
إن يختبرك بخيرٍ فهو مرصودُ
وحاله قلب والغدر أغلبها
وشهده علقمٌ والعز معدودُ
وأعقلُ الناس من يمشي له فطنا
وسيّدُ القوم مَن في الناسِ محسودُ
وأحمدُ الناس من لله محتسبا
أجر الثواب وفي الإصلاح مشهودُ
وأغزرُ الناس علما من إذا فترت
عنه العلوم استقى والعلمُ تجديدُ