د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: عاشوراء موسى.. رمز تحرير الإنسانية من العبودية
1- رغم أن عاشوراء لا علاقة لها بالحسين وبالتشيع -لأنها تتعلق بأول مثال لتحرير العبيد في تاريخ الإنسانية من طاغوت الفراعنة-فإن الكلام في قضية الحسين والتشيع كثر في هذه المناسبة -علامة من علامات تزييف التاريخ وتشويه تاريخ السنة: عاشوراء موجودة قبل كربلاء بأكثر من ثلاثة عقود.
2- وهذا الخلط من أدلة عقد السنة الحالية وضعفها. فعندما كانت السنة واثقة من نفسها كانت تطرح القضية بمنطق العقل والدين ولا تظلم أيا من طرفي النزاع الذي طواه التاريخ لولا المرض الصفوي.
3- لذلك فسأنظر في المسألة من ناحيتين: الإنصاف لطرفي النزاع بالنقل والعقل في آن والموقف الفقهي لأكبر عالمين أحدهما بالفقه والكلام والثاني بالفقه والتاريخ.
4- وسأبدأ بموقف العالمين قبل المرور إلى البحث العقلي. فأما العالم بالفقه والكلام فهو زميل الغزالي وأحد كبار علماء السنة قصدت القاضي ابن العربي الأندلسي الجريء.
5- فقد قال قولة شهيرة علق عليها ابن خلدون في كلامه على ولاية العهد في المقدمة حيث وضع مبدأ عدم التأثيم لتمكين الأمة من علاج آثار الفتنة: وهو مبدأ فلسفي ثوري يحرر التاريخ السياسي للأمة من هذا الدمل السرطاني في تدنيس تاريخ آل البيت.
6- وبمناسبة تعليق زمارة على هذين العالمين بالتلميح دون التصريح -في إحدى حملاته التي يركز فيها على تزييف التاريخ وتمجيد ما يسميه مقاومة وهي خدمة لخطط إيران في لاستعمار لبنان وغزو قلوب سذح السنة-كتبت له رسالتي المفتوحة لا بين له أنه يمثل مرضا صفويا وليس دفاعا عن آل البيت.
7-ماذا قال ابن العربي: قال الحسين قتل بشرع جده. فماذا يعني؟ وابن خلدون رفض هذا الحكم الذي اعتبره حكما قاسيا. لكنه قال بفلسفة السياسة ما يؤول إلى نفس ما قل القاضي.
8-ما معنى «قتل بشرع جده»؟ معناه أن وحدة الأمة تقتضي ألا يوجد خليفتان في نفس الوقت وأن من لا يمثل أغلبية أهل الحل والعقد ينبغي أن يتنازل وإن لم يفعل يصبح من الواجب قتله.
9- وهذه القاعدة عرفها الغزالي في رده على الباطني في الفضائح أو المستظهري. ذلك أن الحكم يقتضي أمرين: الشرعية والشوكة. ولا حكم إلا بهما معا. واكتشاف هذا التلازم من أهم ثورات الفكر السياسي في العالم وهي ثورة إسلامية بالأساس.
10- ولما كان الحسين قد تصور أن الشوكة متوفرة-بعد أن كذب عليه من غرروا به فلم يفهم ما الحسن- خرج. لكن من غرر به من سلف من يطلبون اليوم بثأره هم من دفعوه إلى التهلكة فكانوا في الحقيقة هم قتلته.
11- ابن خلدون لم يقلها بهذا الوضوح بل قال ما يفيدها: قال إن الحسين كان من حيث الشرع على حق. لكنه كان من حيث السياسة أساء التقدير ولم يحسب موازين القوة. وليس معنى ذلك أن ظلم القوي مقبول بل الواجب الإعداد للنصر عليه.
12- بلغتنا الحديثة: أنه ثار من دون توفير شروط نجاح الثورة. وفي الأعمال السياسية النوايا وحدها لا تكفي. فالإسلام لا يفصل بين الشرعية والشوكة شرطي الحكم المستقر لأن الفصل بين الدين (الشرعية) والسياسة (الشوكة) خطا لا يقره الشرع.
13- وذلك قصد القاضي ابن العربي. ذلك أن فقيها كبيرا ومتكلما شهيرا مثله لا يمكن أن يظلم أي إنسان فضلا عن أن يظلم حفيد الرسول وهو قاض فاضل.
14- علينا الآن أن نمر إلى التحليل العقلي. لو كان الأمر مقصورا على الحسين لهان. المشكل هو الظن بأن عليا أولى من أبي بكر ومن عمر ومن عثمان بالخلافة اتهام الخلفاء الأول باغتصاب حق ليس لهم.
15- ما يعني أن الحجة متجاوزة للحسين ويزيد بل هي تذهب إلى ما هو أبعد: قضية الوصية والحكم بمقتضى الحق الإلهي.ما يغير طبيعة الصراع السياسي. وكل ذلك كذبة لاحقة لأن الإمام علي كرم الله وجهه لم يحتج في حياته بمثل هذه الأكاذيب.
16- ومن ثم فما حدث مع الحسين كان صراعا بين زعمين دافعهما سياسي وكلاهما بمنطق مناف للإسلام عقلا ونقلا: فأحدهما يدعي أنه أولى بالخلافة بمقتضى الحق الإلهي والثاني يدعي أنها لذي الشوكة الأقوى. كلاهما فصل بين الشرطين.
17- فلا وجود في القرآن ولا في السنة ما يؤيد الحق الإلهي في الحكم والدليل هو أن الخلفاء الأربعة بمن فيهم الرابع اختيروا بالبيعة الحرة. والقرآن ينهى من يطلب الخلافة بالعنف ويشترط البيعة الحرة.
18- ولا يمكن أن يكون كل الصحابة خونة للنبي وكافرين بالقرآن فلا يطبقوا وصيته ولا يحترموا نص القرآن في اختيار الخليفة أو أمير المؤمنين. وإذن فنظرية الحق الإلهي ليست من الشرع وعلي لم يقل بها.
19- وحتى الشيعي الحالي مهما تعصب لا يمكن أن يدعي أن عليا كان جبانا ليسكت على خيانة الرسول وتحريف القرآن فيقبل بظلم يزعمونه حصل ثلاث مرات ولم يفعل شيء لمنعه.
20- لذلك فينبغي أن نكون منصفين:من أدرانا أن كل ما يقال عن خصوم آل البيت من تشويه وكذب وتزييف للحقائق هو من جنس ما نرى الآن في فكر الشيعة وأن الأيمة الأول كانوا منزهين عنه وهو من صنع موظفي آل البيت.
21- من شوه أبا بكر وعمر وعثمان وعليا (لأن ظنه جبانا كما في قصة بقر بطن فاطمة) أكبر تشويه له لا يمكن أن أصدقه في كلامه على معاوية وابنه.
22- وحتى لو كان في ما يقولون بعض الحقيقة فإن حجة القاضي ابن العربي وتحليل ابن خلدون يبينان أن الأقرب للشرع في المعركة كان توحيد الأمة. رغم التسليم بأنهما كليهما كانا قد فصلا شرطي الحكم بمقتضى النظرية القرآنية: الشرعية والشوكة.
23- ففي أي بلد عربي أو إسلامي لو كان الشعب أمام خيار بين حرب أهلية ونظام يحافظ على أمن الأمة وهي في حرب خارجية طاحنة ماذا يفرض الإسلام؟
24- هب كل ما يدعيه التشيع صحيحا -وهو كله كذب وتزييف لخدمة مشروع الصفوية- هل الإسلام يفرض أن تبقى الفتنة الكبرى دملا حتى يسترد الفرس دولتهم؟
25- وما علاقة الصفوية بالتشيع لآل البيت؟ من منهم عربي؟ومن منهم من ذرية فاطمة؟ومتى كان الحكم يورث في الإسلام؟ومتى كانت العصمة لغير النبي؟
26- عندما أرى العمامات السوداء على رؤوس فرس لا صلة لهم بالعرب فضلا عن أن يكونوا ذوي صلة بآل البيت أعجب من التشيع العربي: هل ولدت فاطمة فرسا؟
27- أذكر أن أحد الدجالين أدخل التشيع الكثير من الأفغان في بداية القرن الماضي قيسا لآل بيت الرسول على آل بيت إبراهيم ليثبت التوريث النسوي الذي كان يبعدهم عن القبول بالتشيع لعلمهم أن الإرث يمر عن طريق الأب لا الأم.
28- وأذكر أن أحد الأصدقاء عبر عن إعجاب بحجج الرجل وذكائه. فتساءلت أيعقل أن تصل السذاجة إلى هذا الحد؟ ليست مريم هي التي أورثت النبوة لعيسى وإلا فالمفهوم أن أحفاد الرسول ليسوا أبناء علي بل هم أبناء ملاك نفخ في فرجها.
29- عيسى ورث النبوة عن النفخ من الروح في فرج مريم مثلما نفخ في جسد آدم فكان بذلك تابعا لإبراهيم ليس عضويا بل بالاصطفاء الإلهي: آل بيت إبراهيم ليست علاقة عضوية بل علاقة روحية.
30- ولذلك فعبارة آل البيت لا تنطبق على علي ولا على أبنائه: ذلك أن آل بين الرسول في القرآن هم زوجاته لا غير. أما علي فهو ابن عم الرسول وأحفاده هم أحفاده ولا صلة لهم بالاصطفاء الذي لا يورث عضويا.
31- والعلاقة البايولوجية عن طريق فاطمة علاقة عضوية ولا صلة لها بمفهوم آل البيت الإبراهيمي. محمد صلى الله عليه وسلم من آل بيت إبراهيم لأنه مصطفى. أما علي وأبناؤه فلا.
32- وإذا كان الأنبياء لا يورثون ماديا فمن باب أولى ألا يورثو اروحيا. الحمد لله أن الرسول لم يكن له أبناء وإلا لكانت الأمة من فتنة إلى فتنة.
33- وأخيرا فإن على السنة أن تسترد شجاعتها الفكرية: ما قاله القاضي ابن العربي والمؤرخ ابن خلدون هو الموقف السليم من القضية بشرط الا يصبح تبريرا لاغتصاب الحكم بنظرية شرعية المتغلب. ولنلتفت للمستقبل.
34- فلو قسنا ما يقال عن الماضي بما يقال في الحاضر لاعتبرنا أكثر من 99 في المائة من أقوال علماء الشيعة كذب في كذب : فإذا كان الأحفاد بالأخلاق التي نرى الآن في إيران والشام والعراق فلا بد أن للأجداد الكثير منها : لأن المسألة مسألة تراث.
35- صحيح أن سحب الحاضر على الماضي ليس مما يرضاه العقل. لكن إذا أيد السحب التاريخ يصبح العقل محجوجا. فالحلف مع المغول ومع الصليبية إلى طردت بقاياهم يرجح صحة القول إن ما في الطبع لا يتغير.