بحوث ودراسات

د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: منطق الدومينو العكسي

استكمالا للبحثين السابقين حول علاقة الصهيونية والصفوية أداتين لكل من يعادي الإسلام وانقسام الأنظمة والنخب العربية بالتبعية لأحدهما احتماء بثانيها وهي اللعبة التي صارت تسمة وحدة الساحات الصفوية والدكتاتوريات الشرقية ضد وحدة توابع الديموقراطيات الغربية في صراع القطبين الحاليين

فما يميز الوضعية الحالية في الإقليم عامة وفي المنتسبين لجامعة الدول (محميات) العربية هو موضوع الاستكمال بعد تعريفا للإشكالية بكونها لعبة تجمع بين مستويين أحدهما هو مطلوب الصفوية والصهيونية والثاني هو توظيفهما من قطبي العالم لتقاسم دار الإسلام لمنزلتها في جغرافية العالم وثرواته

ولهذه العلة فإن اهم مميز لهذه الوضعية في علاقة المسلمين بما يمكن وصفه بإمبراطوريتي العالم -قطبيه الغربي والشرقي-يختلف جوهريا عن علاقتهم بإمبراطوريتي العالم في النشأة الأولى: كانت فارس وبيزنطة في حالة تفكك وشيخوخة. أما الآن فالأمر بخلاف ذلك الامة متفككة وكلها في حرب أهلية داخلية

وما أريد الاستكمال به هو ما سميته «منطق الدومينو العكسي». وهو مفهوم ينقل نظرية الدومينو من كونه نظرية مادية فيزيائية إلى كونه نظرية روحية خلقية بفاعلية عكسية في الثاني لفاعلة الاول الطردية: اي كيف يقاوم الضعيف ماديا والقوي ورحيا القوي ماديا والضعيف روحيا=وتلك هي وضعية الامة

5 مقاومة حماس-ممثلة للأمة في إرادة تحرير فلسطين-تمثل اجتماع القوة الروحية والضعف المادي إذا قارنا بينها وبين الاستعمار الإسرائيلي حيث تجتمع القوة المادية والضعف الروحي البين بديل سلوك الجندي الحمساوي والجندي الإسرائيلي وحاجة اسرائيل لمساعدة كل الغرب في حين أن كل الشرق خذل حماس.

6- لن الأهم من ذلك هو طبيعة الاستراتيجية التي جعلت اسلام النشأة ينتصر على الامبراطوريتين-فارس وبيزنطة -فاستطاع تحرير كل الإقليم من حدود الصين إلى قلب فرنسا هي عينها المقاومة الحماسية ممثلة المقاومة الفعلية عكس الممانعة بمرحلتيها: توظيف الأنظمة العربية ثم النظام الإيراني ومليشياته

7- فما هو مفعول 1 الدينامو الروحي والخلقي الذي يعكس مفعول 2 الدومينو المادي والفيزيائي؟ فـ2 يستعمل استراتيجيتين: رؤية كلاوسفيتس (الماني) ورؤية سن تسو (صيني). وإسرائيل تستعمل رؤية الالماني وإيران رؤية الصيني. وهما يجمعان بين التهديم المادي والتخريب الروحي للقضاء على من يعتبروه عدوا.

8 والعلة أعمق مما يقتصر على الاستراتيجية القتالية بل هو يتعداه لرؤيتهما لمعاني الإنسانية: فكلاهما لا يؤمن بحصر التفاضل بين البشر عند الله بالتقوى لأنهم متساوون لأن القرآن ينفي التفاضل بالعرق أو بالثروة أو بالجنس ومن ثم فلا معنى لشعب مختار أو لأسرة مختاره ليكونا أوصياء على البشر.

9 -إذن عندما فريق صغير مؤمن بمعاني الإنسانية كما يحددها القرآن -حماس-فريق ضعيف ماديا وقوي روحيا لأنه يؤمن بالقرآن ويخذله جل المسلمين يحارب دولة قوية تؤمن بأنها تمثل شعب الله المختار عسكريا (القتال) وفكريا (السرديات) يسندها الغرب كله وإذن فاستراتيجيته هي الدومينو الروحي والخلقي

10- وهو عكس الدينامو المادي الهدام ماديا (اسرائيلي خاصة) وروحي (إيران خاصة) لكنهما يشتركان في الجمع بينهما ويتحدان موضوعيا وذاتيا للإطاحة بمن يقابلهما بالدينامو البناء ماديا (الحد الضروري الأدنى) وروحيا (القوة الروحية القرآنية التي لا تقهر أبدا): تلك هي معطيات المعركة: فكيف يعمل؟

11-هو يعمل بمنطق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعرفه القرآن بكونه شرط الإيمان الصادق (آل عمران 104) وشرط الانتساب لخير أمة اخرجت للناس (آل عمران 110) وهو عين منطق جهاد الدفع (وليس جهاد الطلب) أي محاربة العدوان والبغي والظلم: وهو مؤلف من خمسة مبادئ: هي معنى الجهاد الموحب.

12- فهو يتألف من بعدي الجهاد من حيث هو القوة الأسمى ببعديها: أي 1-الجهاد بالنفس 2-والجهاد بالمال. والجهاد بأدوات القوة ببعديها: 3-اللسان والدعوة 4-العلوم وتطبيقاتها ثم5 جهاد من لا يستطيع أيا من الأربعة أي الغضب القلبي وهو مجرد شعور.

13-فلا أحد يشك في أن الاغلبية الكبرى من المسلمين غاضبة قلبيا لكنها تقتصر على الشعور بالغضب دون أن تترجمه إلى اقوال دعوة أو العلم والتطبيق في صنع أدوات الجهاد ولا خاصة في الجهاد بالنفس أو بالمال. لكن يكفي أن توجد قلة صامدة بهما حتى يلحق بهما بقية المجاهدين باللسان قولا يليهما القلب

14-لذلك من الله على الأمة بالقلية الصامدة -رمزها حماس-التي تمثل بداية الدومينو العكسي: فهو ينطلق مما يظن اصحاب الدينامو الطردي أنه قد حققه فتوهم أنه هدم الكيان المادي وخرب الكيان الروحي فسيطر على كياني الأمة المادي والروحي وأنها يمكن أن تبقى منقسمة إلى توابع للصهيونية والصفوية.

15- اليوم الأمة عامة خاضعة للشرقين وللغربين بخلاف رؤية الإسلام التي تجعل الأمة ليست تابعة للشرقين أو الغربين فضلا عن الخضوع لأداتيهما أي الصهيونية والصفوي وهذه التبعية تتمثل بصورة لا جدال فيها في بلاد العرب التي انقسمت إلى توابع اسرائيل والغرب وتوابع إيران والشرق: استسلام للعبودية

16- وما دام الحلف الموضوعي بين الأداتين وموظفيهما لتقاسم دار الإسلام عامة وقلبها أي الوطن العربي الذي يحتوي على كل رموزه الروحية أي الحرمين وتاريخ النشأة ولسان القرآن فإن المعركة صارت بالنسبة إلى الأمة هي عين معركة الاستئناف ومن ثم فنجاحها وعد إلهي والله لا يخلف وعده: فأنا متفائل

17- لذلك فلن تستطيع الصهيونية والصفوية وكل الغرب والشرق والخذلان العربي أن يوقف مفعول الطوفان العسكري في فلسطين والمعنوي في الرأي العام الدولي وستضطر اسرائيل لرفع الراية البيضاء لأن إيران رفعتها بعد لأنها اعلمت أمريكا بأنها لن تتدخل في الحب ضد إسرائيل وهي تكتفي بالدفاع عن نفسها.

18- ولم تدر أنها بذلك قد امدت أمريكا واسرائيل بالمدخل الذي يمكن أن يفرض عليها التدخل الدال على هذه الحقيقة: ضرب القنصلية كان لفرض تدخلها والإعلان على أنه لا علاقة له بفلسطين بل هو للدفاع لا غير ومن ثم فهو كان رمزيا حتى يكون الرد عليه رمزيا والهدف هو ايقاف معفول الطوفان: لن يفلحوا

19- ذلك أن المطلوب من التدخل الإيراني ضد الطوفان هو وسم حماس بكونها مجرد أحد أذرعها للحد من مفعول هزيمة اسرائيل تماما كما حدث في محاولة الحد من ثورة الربيع الذي شوه بخلق المخابرات ظاهرة داعش: وفي ذلك للإبقاء على ماء وجه الاداتين الإسرائلية والايرانية لئلا يعترفا بالهزيمتين.

والهزيمتان هما عين صمود الربيع وصمود الطوفان. فالربيع ما يزال حيا وهو لتحرير المواطن. والطوفان لن يموت وهو لتحرير الوطن والتحريران بمجرد صمودهما فهما ينتصران لأن الخروج من الضعف نحو القوة عسير ومنطقه هو الصمود والصبر أي شرطي الجهاد بفاعليته بالنفس والمال واللسان والعلم والقلب.

د. أبو يعرب المرزوقي

فيلسوف عربي تونسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى