مقالات

د. أحمد زكريا يكتب: الناصح الرفيق ﷺ

تساءلت كثيرا ما السر وراء هذا الحب الجارف للرسول صل ى الله عليه وسلم من أصحابه، فوجدت في سيرته مواقف عجيبة لا يقوم بها إلا سيد الخلق محمد ، ومن هذه المواقف الرائعة في أدب النصيحة ما رواه أصحاب السير، وكذلك روى الطبراني -بسند رجاله ثقات- عن خوَّات بن جبير رضي الله عنه قال: نزلنا مع رسول الله مَرَّ الظهران ـ اسمه اليوم وادي فاطمة شمال مكة ـ قال: فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني فرجعت فاستخرجت عَيْبتي ـ حقيبتي ـ فاستخرجت منها حُلَّة ـ بدلة ـ فلبستها وجئت فجلست معهنَّ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته فقال: أبا عبد الله ما يجلسك معهن؟

فلما رأيت رسول الله هبتُه واختلطتُ -أي ارتبكت وخلطت الصواب بالخطأ-. قلت: يا رسول الله جمل لي شرد فأنا أبتغي له قيداً ـ أي: ضاع جملي فأنا أبحث عنه ـ فمضى واتبعته، فألقى إليَّ رداءه ودخل الأراك كأني أنظر إلى بياض متنه ـ ظهره ـ في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره -أو قال: يقطر من لحيته على صدره- فقال: أبا عبد الله ما فعل شِرَاد جملك؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟ فلمَّا رأيت ذلك تعجَّلتُ إلى المدينة واجتنبتُ المسجد والمجالسة إلى النبي . فلمَّا طال ذلك تحيَّنت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجد فقمت أصلي -لعله وقت الضحى- وخرج رسول الله من بعض حُجَره فجأة فصلى ركعتين خفيفتين وطوَّلت رجاء أن يذهب ويدعني فقال: طول أبا عبد الله ما شئت أن تطول فلستُ قائماً حتى تنصرف.

فقلت في نفسي: والله لأعتذرنَّ إلى رسول الله ولأبرئن صدره، فلما قال: السلام عليك أبا عبد الله ما فعل شراد ذلك الجمل؟ فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلم ـ يعني نفسه أنه لم يرتكب معصية منذ أسلم ـ فقال: رحمك الله ثلاثاً ثم لم يعد لشيء مما كان.

بأبي هو وأمي من معلم .

د. أحمد زكريا

كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights