د. أحمد زكريا يكتب: بين سلطة العلماء وعلماء السلطة
إن العلماءَ الرَّبانيينَ هم (النُّجوم المضيئةُ) في سماء هذا العالمِ؛ فبهم يهتدي النَّاسُ في مساربِ هذه الحياةِ؛ فإذا غابوا أو غُيِّبوا سادَ الظلامُ الدَّامسُ أرجاء الأرض، وتخبَّطَ الخلقُ في دياجيرِ الظلمةِ؛ فلا يعرفونَ طريقاً، ولا يهتدونَ سبيلاً؛ كما قال أحدُ السلفِ -رحمه الله-: (مثل العلماء مثل النجوم التي يُهتدى بها، والأعلام التي يُقتدى بها، إذا تغيَّبتْ عنهم تحيَّروا، وإذا تركوها ضَلُّوا).
وكُلَّما عصفتْ بالأُمَّةِ رياحُ الفتنِ العاتيةِ، وضَربتْ بها أعاصيرُ المحنِ القاسيةِ؛ عَظُمتْ الضَّرورةُ إلى هذا الطراز الفريدِ من أهل العلمِ، وصارتْ الأُمَّةُ في مسيس الحاجة إليهِ.
والتاريخ الإنساني يعج بأحداث كثير من العلماء الذين سجلوا صفحات ناصعة في مواجهة الظلم والطغيان، وكذلك الذين انحازوا الى معسكر السلطان رغم مخالفته لمقاصد الشرع وانتهاكه في كثير من الأحيان لكل أو معظم حرمات الله.
فمن ينسى سعيد بن جبير رضى الله عنه والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخنا الدكتور عمر عبد الرحمن، وشيخنا عبد الحميد كشك وغيرهم كثر.
ولتوضيح الأمر نقول: إن العلماء يصنّفون إلى ثلاثة أنواع: علماء ربانيين وعلماء سوء وعلماء سلطان.
فعلماء السوء يقتصر فسادهم وإفسادهم على أنفسهم وقليل ممن شايعهم.
أما علماء السلطان فهؤلاء هم أس البلاء لإن مخالطتهم للسلطان تؤدي لإفساد البلاد والعباد.
النموذج الأول هو لنبي فريد في كل شيء، بدايةً من مولده مروراً باسمه وملبسه ومأكله وختاماً بثباته على الحق حتى الموت، بل وبعد الموت، ألا وهو سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام.
وكما هو معلوم وُلد لنبي بعد سن اليأس، وهو أول من سُمى بهذا الاسم، ومعروفٌ عنه أنّه كان يأكل من ورق الشجر ويلبس وبر الحيوانات تفادياً لأكل الحرام، وفي زمانه ذلك كان يوجد ملك يريد أن يتزوج أحد محارمه في رواية أنها بنت أخيه، وفي رواية أخرى أنها ربيبته أي بنت زوجته من رجل آخر، وهنالك آخرون يقولون إنها زوجته ولكن طلقها ثلاثا، وصارت لا تحل له إلا بعد أن ينكحها رجل.
والشاهد في الموضوع أن جميع الروايات تتفق على حرمة زواجها منه، وسيدنا يحيى عليه السلام رفض تحليل هذا الزواج وقالها بملء الفم للملك: إنها لا تحل لك.
وطلبت البغي الخاسرة رأس سيدنا يحيى عليه السلام هديةً لها لتمكن الملك من نفسها فاستجاب لها الملك وقدمه لها في طبق. فكان عاقبتها هي أن خُسفت بها الأرض أما زوجها والعلماء والعوام الذين لم ينصروا سيدنا يحيى عليه السلام سلط الله عليهم بختنصر فقتلهم شر قتلة.
ونمثل لعلماء السلطان بقصة عالم سخّر علمه لمحاربة قيم التوحيد والإيمان والخير والعدالة التي كان يدعو لها نبي الله موسى.
والرجل في الروايات اليهودية يسمى بلعام، وكان من أكثر تلاميذ سيدنا موسى اجتهاداً في العبادة والعلم حتى فتح الله له في العلم الرباني وصار مستجاب الدعوة يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي الله به استجاب.
ولكنه بعد كل هذا السمو والعلو سقط في امتحان الصمود أمام شهوة المال والنساء، ولأنه مستجاب الدعوة استنجد به الكفار للدعاء على سيدنا موسى عليه السلام، فأجابهم فخسر الدنيا والآخرة، واندلع لسانه على وجهه، وهلك محسوراً مخذولاً.
وسجل القرآن قصته في سورة الأعراف:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الأعراف / 175- 177 .
علمائنا الأجلاء يظلمكم كثير من الناس بتسميتكم علماء الحيض والنفاس ولكنِى لا أشاطرهم الرأي فكثيرٌ منكم أعلام في مجالات الدين المختلفة من فقه وعقيدة ولكن هنالك بعض التساؤلات التي لا أجد لها جواباً ألخصها لكم فيما يلي:
أولاً: متى ستتوقفون عن تحليل الربا واستخدام فقه الضرورة –حيث لا توجد ضرورة- لتحليل كافة المحرمات.
ثانياً: هل تنامون ملء جفونكم ترفلون في النعيم وأبناء شعبكم يعانون الذل والمسغبة والهوان في معسكرات النزوح أو الموت في المراعي والمزارع بسبب الحرب!
ثالثا: تركتم الطواغيت يتسلطون على أهل الحق، ويعملون فيهم القتل والأسر والنفي!
رابعا: أين شريعة الله، أين حكم القرآن، أين راية السنة؟!