مقالات

د. أحمد زكريا يكتب: حتى لا يتحول الانتحار إلى ثقافة!

تنتشر موجة عنيفة من حالات الانتحار بين شباب مصر، وقد أفزعني ما أعلنته منظمة الصحة العالمية:(حالة انتحار كل 40 ثانية حول العالم ومصر الأولى عربيا).

ولأن هذه الظاهرة غريبة على مجتمعنا الإسلامي.. فأخوف ما أخافه في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة والمناخ السياسي المريض أن يسلك شبابنا هذه السياسة «سياسة قتل النفس».. عند كل مشكلة وأزمة.. فيتحول الانتحار إلى ثقافة مجتمع.. وهذا من الخطورة بمكان.. وينذر بعواقب وخيمة على أمن واستقرار هذا المجتمع.

ولابد من وضع حلول ودراسات تتناول تلك الحالة من كل جوانبها.. حتى لا تتحول إلى ظاهرة كما قلت.

وأنا أتناول الجانب الشرعي في هذه المسألة على أمل أن يتصدى إخواننا لبقية الجوانب الأخرى.

مكمن الخطورة

أن تتحول هذه الظاهرة المرعبة إلى عدوى تنتقل بين شبابنا، وخاصة مع توفر “شينفوس”أو كما يسميه المصريون «حبة الغلة السامة» أسرع طريق للانتحار.. وهو منتج صيني تحول من حماية الغلال من التسوس إلى أسرع وسيلة للانتحار.. شديدة المفعول وسعرها رخيص!!

وهي من الخطورة بمكان بحيث لم ينج أحد ممن تناولها إلى الآن!!

ويكثر استخدامها في الريف المصري كوسيلة سريعة للانتحار نظرا لتوفرها في كل بيوت الفلاحين لحفظ الغلال من التسوس.

ولعل تفريغ المساجد والمدارس والجامعات من دورها التربوي والتثقيفي سبب رئيس في انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، مع الانسداد السياسي وضبابية المستقبل في عيون شبابنا، وهذا يستدعي من الدعاة والمثقفين بذل الجهد المضاعف لمواجهة تلك الظاهرة.

الانتحار من كبائر الذنوب

وها أنا أقدم خلاصة مفيدة حول حكم الانتحار.. حتى نضع النقاط على الحروف فلا يغرر بشباب المسلمين.

فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.. ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً» رواه البخاري ومسلم.

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» رواه البخاري ومسلم.

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات.. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة”.. رواه البخاري ومسلم.

وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر عقوبةً له وزجراً لغيره أن يفعل فعله.. وأذن للناس أن يصلوا عليه.. فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي (صلى الله عليه وسلم).

فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه» رواه مسلم.

قال النووي:

«المَشاقص: سهام عراض.. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه.. وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي.

وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه، وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة».. راجع شرح مسلم للنووي.

ولا يعني هذا -إن ثبت الانتحار- أن نترك الدعاء للمنتحر بالرحمة والمغفرة.. بل هذا يتأكد في حقه لحاجته له.

والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس… بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها.. وإن شاء عذَّب بها.. فلا نتهاون بالدعاء له.

وفي الختام

أسأل الله المغفرة لشبابنا الذين ضحوا بأنفسهم، ونسأل الله أن يحفظ شباب المسلمين من كل سوء، وأن يرد الناس إلى الدين والعدل، وأن يرقق قلوب الحكام على شعوبهم.

وأن يقدم شبابنا الشرع على العاطفة.

وأن يطرقوا الوسائل السلمية للتعبير عن آرائهم، وغضبهم، دون إزهاق لأرواحهم أو لأرواح غيرهم.

د. أحمد زكريا

كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى