يبقى يوم عاشوراء في ذاكرة الأمة خالدا، خاصة في أيام الملاحم الكبرى، ويظل المعنى مفقودا مالم تستطع الأمة تحديد من هو فرعون ومن هو موسى؟
ثم بعد التحديد الواضح، ماذا فعلنا لنصرة موسى، وكيف نواجه فرعون؟!
إن معسكر موسى واضح للعيان ممثلا في أبطال فلسطين، ومعسكر فرعون ظاهر لكل ذي بصيرة ممثلا في الصهاينة.
فهل نستطيع أن نستثمر عطاءات ذلك اليوم للوقوف بقوة مع أتباع الحق؟!
إن يوم عاشوراء.. ذلك اليوم الذي أذل الله فيه فرعون ومن معه من الطغاة.. وأغرقهم.. وكسر كبريائهم.. وأذل أنوفهم.. وجعلهم عبرة لمن يعتبر.
وقد أمرنا الله عز وجل بتذكر مننه في نصرة المظلومين، وإغاثة الملهوفين، والبطش بالظالمين المعاندين.
فجاء القرآن يحث على الاعتبار ويرغِّب بالادكار، ومن ذلك ما جاء في سياق خطاب موسى عليه السلام والحديث عن بني إسرائيل، وما أنعم الله عليهم من النعم، وما شملهم من المِنَن، ذلك قوله تعالى: {وذكرهم بأيام الله} (إبراهيم:5). ولنقف مع هذه الآية؛ لنتعرف على المراد منها، والعبر المتضمنة فيها.
فعند النظر إلى مقاصد القرآن العامة يكون المراد ب (الأيام) هنا الأحداث الزمنية الكبرى والوقائع التاريخية العظمى. وهي (الأيام) التي تختصر تواريخ الأمم، وترسم ملامحها، وتوجه مساراتها، ويكون فيها عبرة لمن يعتبر. فالتاريخ في جملته، وفي جوهره إنما هو (أيام وعبر)، وإن شئت قل: هو (أيام فيها عبر).
والمهم في هذا السياق أن معرفة (أيام الله)، والاعتبار بها، هو جزء من الدين، وجزء من رسالة الأنبياء. وهو صريح قول الله تبارك وتعالى. وليس هذا خاصاً بموسى عليه السلام، كما قد يُفهم من الآية المذكورة، بل هي سنة الله في عامة أنبيائه ورسله، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم. فمن المعلوم أن حيزاً كبيراً من القرآن الكريم إنما هو تذكير {بأيام الله}، ودعوة للاعتبار بها، {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2).
وقد لفت ابن خلدون الأنظار إلى ما بين التاريخ والشريعة من وجوه الحكمة والاعتبار، فوضع كتاباً لأجل هذا الغرض سماه (كتاب العِبَر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر)، بيَّن من خلاله أهمية النظر في تاريخ الأمم الماضية، وضرورة قراءة ما جرى للأقوام السابقة؛ وذلك بقصد الاعتبار والاتعاظ، وتجاوز أخطائها وسلبياتها، والاستفادة من صوابها وإيجابياتها.
وإذا كان للتاريخ أهله المتخصصون فيه، كما هو شأن سائر العلوم، فإن عامة الناس لا يستغنون عن معرفة شيء من أحداثه ومحطاته الكبرى، وهي المعبر عنها {بأيام الله}، أي: الوقائع التي تُذَكِّر الناس، وتُبصِّرهم بحِكَمِ الله، ونعمه، وسُنَنه في خلقه، بحلوها ومُرِّها، وسَرَّائها وضَرَّائها.
واليوم أهل الإيمان والإسلام في كل مكان يواجهون اختبارًا صعبًا في مواجهة أعداء الله من الطغاة الذين يقتلون الأطفال ويذبحون النساء، ويعتدون على الحرمات.
نحتاج -بتركيز شديد- أن نتذكر أيام الله في إهلاك الطغاة، ونجاة المستضعفين، فمهما طال الظلم، لابد من نهاية حاسمة لهذا الظلم.
فانظر -رحمك الله- كم مكث قوم موسى في الاسترقاق والاستضعاف، ولكن سنة الله ماضية، في دحر المعاندين، وكبت البغاة المجرمين.
{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.