د. أحمد زكريا يكتب: عبد الباسط عبد الصمد.. ظاهرة قرآنية لن تتكرر!
إن عبد الباسط عبد الصمد علم قرآني.. قل أن يجود الزمان بمثله. فكم من أناس دخلوا في الإسلام لحلاوة صوته، وصدق تعبيره، وصدق إحساسه. وكم من أناس رقت قلوبهم القاسية لما سمعوه.. وكم من عظيم فاضت عبراته لما استمع للقرآن بصوته. فعلى صوته تربينا.. وكان أبي -رحمه الله- ينتظر قرآن الثامنة مساءاً يوم السبت من كل أسبوع.. لنلتف حول المذياع صامتين خاشعين ونحن نستمع لصوت عبد الباسط. وكم كنا نسعد عندما يذاع قرآن السهرة للشيخ عبد الباسط.. وكان نزول الشيخ إلى إحدى القرى المجاورة في المآتم بمثابة عيد بالنسبة لكل القرى المحيطة ،فكان الناس يأتون من كل حدب وصوب لا هم لهم ولا هدف إلا الاستماع للشيخ.. فينقلب المأتم إلى فرح بقدوم الشيخ.. فاجتمع الجميع على حبه رغم اختلاف الثقافات واللغات والمستوى الاجتماعي.
وإن أنسى -فلا أنسى- صوته العذب الرقراق في رمضان قبل المغرب.. فينتزع منا البكاء والتأثر ويجعلنا نحيا جو رمضان الإيماني بعبقه وروحه.
وكنا في أثناء فترة المحنة.. داخل السجون نشنف آذاننا في رمضان.. عسانا أن نستمع لصوته في قرآن المغرب.. فإذا ما سمعناه أطبق الصمت على الجميع ، وانحدرت العبرات من المآقي.
وبرغم مرور السنين إلا أن صوت عبد الباسط لا يزال علامة بارزة في قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي على اتساع ربوعه.
كان صوت الشيخ عبد الباسط ولم يزل مجلجلا بكل الآفاق عبر الزمان والمكان، ليستقر بأرواح كم استأنست به.. واهتزت له وجدا وهو يرتل كلام الله تعالى لتسمو به إلى ملكوته الأعلى .
فكم ذرفت العيون دموعها وهي ترنو إلى الفضاء لتوحد الصوت الجميل بجمال هذا الكون الذي حبانا الإله به ووهبنا السمع والبصر لنتأمل كل آية من آياته على حدة.
رحم الله الشيخ الجليل ابن صعيد مصر الطيب الذي لم يتكرر صوته،بل صار مدرسة تقلد وتحاكى،وسيبقى الشوق يحملنا إلى ترتيله المميز، كلما أردنا أن نحيا لحظات في الجنة.