د. أحمد زكريا يكتب: ما سر رمضان؟!
كلما اقترب شهر رمضان تشتاق نفوسنا، وترتجف قلوبنا، وتطير أرواحنا فرحا وبشرا، حتى إن السلف كان يتمنون أن يكون العام كله رمضان، فما السر في ذلك؟!
إن المتأمل في نصوص الشريعة يجد أن الله بحكمته يفضل بعض مخلوقاته على بعض، وجعل فضيلة شهر رمضان ظاهرة على سائر الشهور فقال سبحانه: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن) بل فضل سبحانه، بعض أيامه على بعض فقال سبحانه: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وقال: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)، فهذا الاصطفاء الإلهي لم يكن إلا لحكمة ظهر لنا بعضها وقد يخفي علينا بعضها، وحينما يقلب المرء ناظره في السٌّنة النبوية تظهر له بعض أسرار الحكمة التي تدعو إلى التلهف والشغف لبلوغ شهر رمضان ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين» [رواه البخاري وزاد الترمذي: «وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة]، وعند أحمد من حديث أبي هريرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه: «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم».
فلا تعجب بعد ذلك أن تتطلع النفوس لإدراك مثل هذا الشهر الكريم الذي يبشر الرسول به ويصفه بالآتي:
1-أنه شهر مبارك.
2- تفتح فيه أبواب الجنات.
3-تغلق فيه أبواب جهنم.
4-تسلسل فيه الشياطين.
5-ينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
6-لله عتقاء من النار كل ليلة.
7-فيه ليلة خير من ألف شهر.
8-استجابة الدعاء فإن للصائم دعوة مستجابة.
إن طغيان الحياة المادية على القلوب أصابتنا بكثير من الهم والحزن، وهذه القلوب المتعبة تتوق للتطهر والرقي، ورمضان مفتاح السر، وكيف لا يكون ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «… ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» [رواه مسلم]، وكلنا قد غشي من الذنوب ما الله به عليم، وقد مَنَّ الكريم بستر منه وكرم ونسأله العفو والمغفرة.
ومن مفاتيح أسرار رمضان أنه لا ينبغي حصر صور العبادة والإحسان في نوع واحد من العبادة بل يجب توسيع الدائرة، حيث إن كل عمل صالح يقرب إلى الذل والانكسار لله وكمال المحبة له فهو عبادة، فالطبيب في عيادته، والجراح في غرفة عملياته، والمهندس في معمله أو طريقة أو مكتبه، والجندي في ميدانه، والمعلم في مدرسته..
وهكذا في صنوف عدة من أنواع العمل إذا استصحب فيها الاحتساب، وهو طلب الأجر من الله مع تحقيق عدم التفريط في عبادات أخرى إلا من أجل مصلحة أعظم فله أجر مثل أولئك أو أعظم.
فالقيام في رمضان له فضائل عديدة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلا أقل من الحرص والمواظبة في هذا الشهر الكريم.
عليك بالجود والنفقة والحرص على تفطير صائم، وقد تيسر ذلك كثيراً في هذه الأزمنة، فابذل الفضل من مالك، وجُد بالخير وتذكر دوماً (وما تنفقوا من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس» [رواه أحمد]، وتذكر «رب درهم سبق مائة ألف درهم».
قراءة القرآن من أفضل القربات إلى الله في رمضان، وقد كان جبريل ينزل كل ليلة يراجع القرآن مع النبي، وفي السنة الأخيرة راجعه مرتين، وصور الصحابة والسلف في قراءة القرآن في رمضان أكبر من أن توصف، حتى إن أحدهم كان يختم القرآن كل ليلة، وإذا دخلت العشر ختم القرآن مرتين كل ليلة، وصدق الله (ولقد يسرنا القرآن للذكر)، فأين نحن من هؤلاء؟
الدعاء له أوقات إجابة وخصوصاً في رمضان حين الفطر وفي جوف الليل، وتذكر أن للصائم دعوة مستجابة.
الاعتكاف سُنّة مهجورة، وشرفها في انقطاعك عن الخلائق لغرض الاتصال بالخالق، فهي وظيفة شريفة فخذ نصيبك منها، ولا تكن من الغافلين.
وبعد أيها المشتاق الباحث عن أسرار رمضان: لا بد أن تعلم أن وعد الله صدق فإنه سبحانه لا يخلف الميعاد، أنت تدعوه فتقول: (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد)، ومما وعدنا على رسله أن من صام رمضان وقام رمضان إيماناً واحتساباً، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، فهذه ثلاث فرص، كلها تغفر لك ما تقدم من ذنبك إن عملت بها محتسباً الثواب، أي من غير تسخط ولا شكوى مع الإيمان الجازم باستحقاق الرب لهذه العبودية، والإيمان الجازم بالأجر المترتب عليها فإنه يتحقق لك ذلك وهذا وعد صدق، فجد واجتهد وثابر وصابر، فلعله رمضان الأخير لك، فلا تضيع الفرصة، وعندها قد يفتح الله عليك ببعض أسرار رمضان!