الجمعة أكتوبر 11, 2024
مقالات

د. أحمد موفق زيدان يكتب: إيران وباكستان.. مرحلة مختلفة

مشاركة:

يبدو أن مرحلة جديدة دخلتها العلاقات الباكستانية – الإيرانية بعد القصف الصاروخي والمسيراتي الإيراني الذي استهدف مناطق في بلوشستان يوم 16/1 بذريعة ملاحقة عناصر من جيش العدل السني الذي يقوم بعمليات داخل أراضيها، لم تكن باكستان راغبة في الرد بالمثل، نظراً لتركيز قوتها العسكرية كلها على الحدود مع الهند، مما دفعها لتركيز مضاداتها على الجبهة الهندية، بالإضافة إلى النسيج المجتمعي الباكستاني الذي لا يسمح بفتح جبهة مع إيران، مما قد يفجر الواقع المجتمعي الباكستاني لوجود أقلية شيعية مرتبطة بشكل أو بآخر مع إيران.

حرصت باكستان في البداية على سحب سفيرها، ومطالبة السفير الإيراني المتواجد لحظتها في طهران بعدم العودة، لعلها تكون إشارة من جانبها كافية للاعتذار الإيراني، وبالتالي تكتفي باكستان بذلك دون ردها بالمثل، لكن إصرار بعض القيادات الإيرانية على القصف وتبريره، أجبر إسلام آباد على الرد، نتيجة الضغط الشعبي الذي أبدى غضبه وتبرمه من هذا القصف غير المبرر، وهو الذي تعاطف مع إيران على الدوام لاسيما لموقفها المعلن تجاه غزة.

ردّت باكستان بعدها على القصف بتوغل طائراتها جي إف 17 المحلية الصنع بالتشارك مع الصين، وذلك بعمق 80 كم داخل الأراضي الإيرانية، فقصفت مواقع لما قيل إنها تابعة لجيش تحرير بلوشستان، وجبهة تحرير بلوشستان الانفصالية اللذين يهاجمان مصالح الدولة الباكستانية لسنوات، وقد أظهرت مواقع المتمردين البلوش بعض قادتها وجنودها الذين قتلوا خلال القصف الباكستاني، وعزز الرواية الباكستانية هذه إعلان طهران أن قتلى القصف الباكستاني من الأجانب في إشارة غير مباشرة أنهم باكستانيون.

القصف الإيراني فاجأ الدوائر الرسمية الباكستانية، لأنه يأتي في ظل تواصل على أعلى المستويات بين الطرفين، إذ أتى بعد ساعات فقط على لقاء وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان مع رئيس الوزراء الباكستاني أنوار الحق كاكر على هامش مؤتمر دافوس، وقبله بيوم كان مساعد وزير الخارجية الإيراني في إسلام آباد يلتقي كبار المسؤولين فيها، بينما كانت تشهد كراتشي المطلة على البحر قبلها بيوم واحد مناورات بحرية مشتركة للبلدين.

وقبل الولوج إلى طبيعة المرحلة الجديدة وأماراتها، لابد من تقرير حقيقة مهمة، وهي أن الحدود الشاسعة بين البلدين رخوة، كحالة أكثر الدول المتجاورة، نظراً للتشاطر العرقي واللغوي والعائلي بينهما، مما يجعل ملاحقة المطلوبين متعذراً وصعباً، ومع هذا فقد تعايش البلدان مع هذه الحالة لعقود، ولكن ما فاجأ الخبراء والمحللين والسياسيين الباكستانيين هو طبيعة التصعيد الإيراني بهذا الشكل الذي لم يكن مبرراً، فالتفجير الذي حصل في شمال شرق إيران أخيراً تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، وردّت إيران كما قالت على هذه التبني بقصف إدلب، على الرغم من أن التنظيم لم يعد موجوداً فيها منذ سنوات، بينما التقارير شبه اليومية ترد عن نشاطات عسكرية له في مناطق الشرق السوري حيث يتشاطر الوجود فيها كل من المليشيات التابعة لإيران وقوات التحالف وكذلك القوات الروسية.

إعلان إسلام آباد مباشرة بعد التصعيد عن اعترافات لقيادي من لواء زينبيون عن محاولة اغتيال مفتي باكستان تقي الدين عثماني التي وقعت قبل عامين، أشارت إلى طبيعة المرحلة التي ستُطبع بها علاقات البلدين، فلواء زينبيون يقاتل في صفوف المليشيات الموالية لإيران في سوريا، فالتركيز الأمني الباكستاني بنظر المراقبين والمحللين سيتركز على مراقبة ومتابعة هذا اللواء الذي يقاتل في سوريا، والتي غضت باكستان الطرف عنه لأكثر من عقد، وهو ما سيُترجم إلى واقع جديد بالتضييق على بعض النشاطات الإيرانية لكن بطريقة أمنية، برع بها الباكستانيون نظراً لخبرتهم الطولية مع كل الأجهزة الأمنية الإقليمية والعالمية لنصف قرن منذ الحرب السوفييتية على أفغانستان منتصف السبعينيات.

باكستان كانت على ما يبدو تتابع نشاطات زينبيون منذ وقت طويل، لكنها آثرت على ما يبدو الكشف عنها في هذا الوقت لممارسة ضغوط دبلوماسية، وحشد شعبي باكستاني خلف قرارها، لكن الأهم في اعترافات الخلية، والتي أعلن عنها قسم مكافحة الإرهاب في اقليم السند وعاصمته كراتشي، الأوامر التي قيل إن الخلية تلقتها من دولة مجاورة لم يحددها، بالإضافة إلى وجود قائمة لدى الخلية باستهداف شخصيات باكستانية.

إعادة العلاقات بين البلدين التي لم تطل قطيعتها سوى لساعات، ربما تعد أقصر قطيعة دبلوماسية في التاريخ الحديث، خصوصاً مع التحرك السريع للقوى الدولية مثل روسيا والصين، والإقليمية كتركيا لخفض التوتر بين البلدين، إذ إن لكل دولة من هذه الدول مصالح مهمة في خفض التصعيد، وهو ما أثمر تواصلاً مباشراً بين البلدين، ليسفر عن إعادة العلاقات سريعاً.

البعض يعتقد أن إيران سعت إلى الظهور كقوة اقليمية من خلال قصفها في بلوشستان الباكستانية، ولكن الرد الباكستاني السريع لم يُحبط هذا فقط، وإنما جرّأ رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو على قصف بناية وسط مدينة دمشق المكتظة بالسكان ليدمر المبنى من ثلاثة طوابق ويقتل خمسة من كبار مستشاري فيلق القدس، والذي كان من بينهم مدير وحدات المخابرات في اللواء.

يبدو أن باكستان استشعرت التصعيد الإيراني مبكراً، فشجعت مولانا فضل الرحمن زعيم جمعية علماء باكستان المقرب من حركة طالبان الأفغانية لزيارة كابول، من أجل رأب الصدع، وجسر الفجوات بين إسلام آباد وكابول، وتحرك شخصية دينية موثوقة لدى المؤسسات الباكستانية ولدى حركة طالبان نتيجة الإرث التاريخي بينهما يؤكد جدية التقارب الباكستاني الطالباني بخلاف التقارب السابق والذي عادة ما يكون عبر القنوات الأمنية، في حين التقارب مع طالبان أقصر وأنجع بوابة له هي البوابة العلمائية المشيخية.

Please follow and like us:
Avatar
كاتب صحفي، سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *