الأحد يوليو 7, 2024
مقالات

د. أسامة الأشقر يكتب: أجاع الله مَن أجاعكم!

1- إذا أجاعكم أحدٌ فقد أدخلكم في الجوع، وإذا جوّعكم أحدٌ فقد شدّد عليكم الحال حتى أصابتكم المجاعة؛ وكلا الفعلين شرّ.

2- ويدخل في ذلك كل من له سبب مباشر أو غير مباشر ولو بالصمت أو انعدام الفعل، بينما هو قادر على فعل شيء ما، وقصّر فيه.

3- وقد رأيتم شدّة الجوع في بناتنا وصبياننا والرضّع منّا والمرضى الذين هلكوا منّا، ولا نريكم أحوال ما أصاب نساءنا وكبارنا: دقّت خُصورهم، وطُوي كَشْحهم، واصفرّت وجوههم، وبرز عَظمهم، وتخشّف جلدُهم، والتهبت أكبادهم؛ وكأنهم أُسكِنوا في توابيت خشنة باطنها مسامير صدئة تجرّحنا وتؤذينا أذى المنيّة.

4- والجوع والوجع قرينان، والجوع بئس الضجيع، وأشدّ الوجع فيه أن نرى أطفالنا الرضّع تتخشّب أبدانهم الطريّة أمام أمّاتهم، أو يجوع الجنين في رحم أمّه من شدة جوع أمّه الحامل به، أو يجوع المريض الذي يحتاج لقمة صغيرة ليجعلها مع حبّة دوائه الذي لا يجده.

5- إن جيش الأوغاد هذا لئيم بلا شرف ولا أخلاق يُذكَر بها، وليس ثمّة قصّة واحدة على مدار سبعين عاماً عشناها تحت بساطيرهم تشهد على شرفهم المزعوم، وأيّ شرف في تجويع العامّة والمدنيين شهوراً متطاولة عمداً وقصداً!

6- ومقصود هؤلاء الوحوش الأوغاد بتجويعنا أن ننكسر لهم ونخضع، وأن نذلّ، وأن نُهان؛ وهم يريدون ذلك فينا جميعاً: سواء مَن حمل السلاح أو عجز عنه، عسكريّاً قادراً كان أو مدنياً لا يملك سلاحاً أو لا يستطيع الدفاع به.

7- وهم يقصدون أيضاً تهجيرنا بعد أن أحرقوا أرضنا وبيوتنا، وأغلقوا علينا الأبواب، ودمروا مصادر الحياة كلها.

8- وهم يقصدون أيضاً أن يأكل أحدُنا نفسَه أو أخاه من جوعه، ويحسبون أن المرء إذا جاع ونفَدَ رزقُه المتاح انحرف مزاجُه، وضاق خلقُه، وعظمت مطالبه، وساءت ظنونه بمن حوله من الأقربين والمدافعين والساعين عليه، وظنّوا أننا سننقلب على أرواحنا والبقيّة الباقية من كرامتنا التي لم يبق لنا سواها.

9- وقد قصدوا تعطيشنا أيضاً إذ حرمونا من موارد المياه كافة في هذا القيظ الشديد، ولولا أنّنا نضع قطرات من العرق المصبوب من أجسادنا على ألسنتنا لانقطعت حياتنا.

10- وإذا استبدّ الجوع بقوم فإن شعورهم القويّ بالحاجة إلى الماء يتلاشى شيئاً فشيئاً كلما يبس جسمه، فيموت الواحد منّا جوعاً وعطشاً معاً.

11- ولا يعلم الناسُ أن المرء إذا جاع فإنه لا يشتهي الشراب ولا يكاد يقربه فيموت عطشاً فوق جوعه.

12- واحذروا إن وجدتم منفذاً لإيصال الطعام إلينا أن يكون غوثُكم المستطاع لحمَ خنزير أو خمراً فإنّه لا يحلّ مذاقُه، ولا يُشكَر مُوصِله والمجتهدُ فيه، وأحرَى بنا أن نصبر عنه ونردّه، ففيه حرامان: أنّه حرام وأنّ مقصوده حرام، نموت دون الوقوع فيه:

ما ضرّ عبداً صحّت إرادتُه ** أجاع يوماً في الله أو شبعا

13- إننا نعرف من يجوّعنا، ومن يحاصرنا، ومن يعذّبنا، ويغلق علينا الباب، ويحرمنا الغوث والمأوى والمشفى، ويستغلّ ما بنا من كرب؛ فأجاع الله أكبادهم، وأعْرَى أجلادهم، وأطال إجهادَهم:

إن الذين أمَرتَهم أن يَعدِلوا ** لم يفعلوا مما أُمِرتَ فَتِيلا

فادفعْ مظالمَ عيَّلَت أبناءَنا ** عنا وأنقِذْ شِلْوَنا المأكولا

14- واعلموا أنّه إذا جُوِّع السبُعُ انقضّ على فريسته بأشدّ مما كان على الفريسة يوم يجوع جوعه المعتاد.

15- ونحن ضيوف في أرض ربنا الكريم، إن شاء أطعمنا من طعامه، وإن شاء أجاعنا، وصبرنا حتى يطعمنا ربّنا من واسع فضله، وبحر كرمه، وخزائن رزقه؛ وهو الذي يطعمنا من جوع، وهو الأعلم بأننا جَوعَى، وهو أدرَى بحالنا منّا، وهو لا يرتضي لعباده شرّاً محضاً.

16- وإذا دخلت النارَ امرأةٌ بسبب هرّة حبستها ولم تطعمها فإن النار مرصودة لمن فَعل فِعل هذه المرأة وأعان على حبسنا وحصارنا وتجويعنا وخذلاننا وإطالة مَا بنا من بلاء.

17- ولم يزل رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه يقنت في صلاة الفجر ويدعو لمّا علم أن أبا جهل أخذ صاحبه سلَمة بن هشام بن المغيرة فحبسه وضربه وأجاعه.

18- وإنّا هاهنا ندعو عليكم بدعاء مربّية رسول الله أمّ أيمن: أجاعَ اللهُ مَن أجاع رسول الله!

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

Please follow and like us:
د. أسامة الأشقر
مؤرخ وروائي فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب