مقالات

د. أسامة الأشقر يكتب: السعيد!

 الآن قُمْ، وامسح دمعتك بكُمّك، والبَس أحسن زِيّك، وارفع رأسَك، واضرب بقدمك، وأدّ التحيّة شامخاً ثابتاً، فنحن قومٌ إذا حزِنّا قُمنا، وإذا قُمنا لا نَقعُد!

وإننا من قوم لا نكاد نموت إلا تحت ظلال السيوف، وإن يَسعَد منّا أحدٌ باصطفاء الله له فإنّك ستجد مِن بعده خلَفاً أشدّ، فالتربة حيّة خَصيبة، وغيث الله لا ينقطع عنها.

نحسبك الآن سيّدي من السعداء، فقد حَسُنَتْ في المسارعة إلى السعادة نِيتُك، وعظُمت في سبيل الله تعالى حِسْبتُك، ونِلتَ ما كنت تتمنّى مِن أشرف الميتات وأجلّ الخواتيم.

وإننا نعلم أنّك كنتَ في مقام السعادة وأنتَ حيّ، وحِيزَت لك الكرامةُ قبل أن تقوم بك، وكنّا نعلم أن هذا المقام يليق بك، فكنتَ على مثال السعداء في غضبك وثورتك، وفي لينك ورحمتك، في إقبالك وإدبارك، وفي سرّك وعلانيتك، وفي عبادتك وساعتك، وفي قرارك ومراجعتك.

لقد كنتَ متوفّر الهمّة في اجتهادك، ظاهر الجدّ في جهادك، وكنتَ تأخذ بعنان فرسك في أي ميدان تسابق به، وتتعرّض للغارة في أي عزيمة تعزمها، وتدنو من الموت في كل ساعة تدخل عليك، وتحفر قبرك في أي موضع تكون فيه، وحسبُك أنّك لم تقض أجلَك إلا في محلّ تستدعي فيه الدعم والإسناد لعسكرك وجندك، وأدرككَ الأجلُ مهاجراً إلى الله في أقطاره، متاجراً معه في تصاريفه وأقداره.

وما زلنا نذكُر كيف حرّض الأوغاد على طردك من محلك الذي تقيم فيه، فقال لهم عارفٌ: لقد فقد هذا الرجلُ أكثر أبنائه وأهله فلم يهتزّ، فهل تظنونه سيتراجع أو يتأخّر إذا أخرجناه!

ندعو لكم أيها الكبار الماضون إلى رحاب الله بدعاء الفاروق عمر عندما بلغه نبأ ارتقاء ثلة من المؤمنين الفاتحين: لقد (أكرم الله بالشهادة فريقاً من المؤمنين، فهنيئاً لهم برضا ربّهم، وكرامته إيّاهم، ونسأله ألّا يحرمنا أجرهم، وألّا يفتننا بعدهم، فقد نصحوا لله، وقضوا ما عليهم، ولربهم كانوا يعملون، ولأنفسهم كانوا يهتدون).

د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى