الأحد أكتوبر 6, 2024
مقالات

د. أسامة الأشقر يكتب: السلامة في تصحيح معنى الكرامة

مشاركة:

1- ولعل حُجّة الكرامة من أكثر ما يشعل القطيعة بين الأهل والأصحاب ورفاق الطريق، إذ يرون الانتقاص منها أو خدشَها أو ثَلْمها داعياً إلى الخصومة والعداوة وطيّ الصفحة الجميلة السالفة وابتداء القطيعة وافتعال المُدابَرة.

2- وإذا سألتَ أحداً منهم عن معنى هذه الكرامة فقلّ أن تجد أحداً يعطيك معنى متّفِقاً وجيهاً.

3- وقد رأيتُ أن مفهومها لدى أكثرهم أن يكون حظُّ المرء من نفسه كبيراً فلا يتسع على الآخر؛ وهذا المفهوم يُداخِله الكِبر والغرور والغطرسة والأثرة والأنانية.

4- والغريب أن هذا المفهوم حادثٌ في الاستعمال، إذ إن الكرامة قديماً نوعٌ من الصلة الجميلة والنعمة التي يتواصل بها معك أرباب الفضل والمكانة تقديراً أو احتراماً، لذلك وجدوا أن ردّ الكرامة من الجهل والغباء.

5- وقد نظرتُ في مفهومها المُزامِن لعصرنا فوجدت أن الأصل الحسن في معنى الكرامة ما يقابل الهوان، وتجد فيها معاني الحرية، والترفُّع عن الدنايا، والاستقلال عن الناس، والاعتزاز بالنفس، والتعالي بالشرف، والتمدّح بالعِرض والذكر الحسن، واستحقاق الاحترام.

6- ولأنّ أولَى الناس بالكرامة الحُرّ فإن هذا المفهوم كان ينبغي أن يرتبط بالاستقامة والاستقلال والإرادة كما التواضع والرفق تجاه الآخرين.

7- ولكنّ بعضهم يختلّ إدراكه لها فيسيء حملها، ويجعل عليها مدار ذاته ومَجْمع غروره وارتكاز أنانيته، وتراه لا يدرك أن الكرامة مفهوم ذاتيّ يتعلق بك وحدك، وأن الكرامة قيمة داخليّة تُطلَب لذاتها بغاية أن يكون المرء كريماً فاضلاً في ذاته، ولا يتصرّف بما يجلب له الإهانة وقلة الاحترام.

8- وإذا اختلّ إدراكه فإنك تجده ناقصاً ذليلاً فتراه يطلب الكرامة من غيره، ويرى ذلك استحقاقاً له يجب أداؤه من كل أحد يعرفه، ويطلب الاحترام من يديك ولسانك وعينيك وهيئتك ومشيتك وحركتك وإشارتك…، ويصرّ على ظهور أمره والإذعان لكرامته والاعتراف بفضيلته، ويجعل الجهل بذلك إعلاناً للحرب عليه، ومدعاةً للانتقام المتصل.

9- إن الكرامة يا صديقي تعني أكثر ما تعني أن تتصرف بكرامة، وهذا هو منبع الكرامة وأصل معناها العميق، وعندما تعي ذلك فإنك ستجد طعم الكرامة، وسينفتح لك معناها الغامض، وينكشف لها سرّها الجميل.

Please follow and like us:
د. أسامة الأشقر
مؤرخ وروائي فلسطيني