د. أسامة الأشقر يكتب: العِسْوَدّ إذا انقضّ!
1- إذا وجدتَ عائلةً أو عشيرةً تتمدّح برجل فيها من ذوي الأثر والخطر فذلك يعني أنها تتشرّف به، وتتطلّع أن يخرج منها مَن يكون على مثاله، وأحسب أن عشيرة العْسود من هذه العشائر العربية القديمة التي امتازت بالصلابة والكرم المتوارث عن أجدادها القيسيّة المضريّة التي تعود في أصولها إلى شمال الحجاز.
2- ترك العساودة حياة البداوة منذ دهر بعيد، وتقرّوا في القرى، وصارت لهم البساتين والبيّارات، وكثر استقرارهم القديم في نواحي يافا في بيت دجَن خاصّة، ثم تفرقت العشيرة إلى مواضع شتّى في فلسـطين والأردنّ، ومنها إلى «إذْنا» في الخليل، حيث خرج المهنّد الأخير من غِمده الخليليّ الذي عوّدنا على إطلالاته البركانيّة في أشدّ الأحوال يأساً.
3- ولا ندري إن كان الجدّ الأعلى للعساودة كان يحمل اسم «العْسُود» أو كان ذلك لقباً له، وعلى كل حال فإن هذا الاسم الذي تخفّف نطقُه اليوم لتميل عينُه إلى التسكين، وداله المشدّدة إلى التخفيف قد كان أصل النطق به غليظاً يُدخل المهابة والخوف في نفوس أعدائه، فأصل الكلمة عِسْوَدّ، وهي تعني الرجل الشديد القويّ المفتول العضلات كفتل الحبل الشديد.
4- ويبدو أن معنى الشدّة في هذا الوضع اللغويّ قد مدّ في دلالة الكلمة اللغوية، فنجد المعاجم العربية تجعل العِسودّ حيّة تنقضّ على فريستها فتبتلعها بكلّ فِيها؛ والطريف أن كلمة العِسودّ أيضاً تحمل معاني مُراوِغةً للحيّة التي تحمل هذا الوصف، فتارة يجعلونها رشيقة مرنة ناعمة تسبح في الرمال المنقطعة ويلقبونها ببنت النَّقا لمهارتها في الاندساس والاختفاء يظنونها سهلةً لا تؤذي فإذا بها تقطر سمّاً كسمّ الدفّان الأبيض، وتارةً يجعلونها عظاءةً صغيرةً مخيفة سوداءَ الرأس، غبراءَ الجلد، مُسَيَّحة الظهر، ذات قوائم غليظة رغم أنها لا تؤذي ما ليس من مطعوماتها.
5- وعلى كل وجه في هذه التسميات فإنها دُويْبّة خطيرة صيّادة في ترصّد فريستها، وفي ساعة الانقضاض برأسها أو بلسانها، ويكون انقضاضها كالسيف الحاسم المهنّد المُكْثَب الذي لا يترك وراءه جريحاً صائحاً.