الأحد أكتوبر 6, 2024
أقلام حرة

د. أسامة الأشقر يكتب: رحيل أعرَفِ الناس بالشافعيّ.. خليل ملا خاطر

مشاركة:

1- على شط الفرات في دير الزور في ليلة النصف من شعبان من عام 1938م ولد خليل بن إبراهيم ملّا خاطر العزّاميّ الحسينيّ، وتلقّى المعارف الأولى في القرآن عن جدّيه لأبيه وأمّه، وتلقّى أول دروسه الفقهية والأصولية على مذهب السادة الشافعية، وتلقى أيضاً الفرائض وعلوم الحديث والمنطق وعلوم الآلة.

2- بعد تخرجه في كلية الشريعة بجامعة دمشق توجّه صوب الأزهر فنال هناك درجتي الماجستير والدكتوراه في الحديث.

3- لقيته وأنا في مقتبل الشباب مرات كثيرة بمسجد رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه في المدينة أواخر الثمانينات، وكان إذ ذاك أستاذاً بكلية التربية بفرع جامعة الملك عبد العزيز بجدة على ما أذكر، وكان قبلها أستاذاً بجامعة الإمام في الرياض.

4- وقد كان رجلاً حنطيّ اللون طوالاً عظيم اللحية، له شارب طويل متصل بلحيته، يلبس جبّة شامية وطربوشاً أبيض ملفوفاً بعمامة علمائية شاميّة، ويلبس نظارة حسنة، أنيقاً، نظيف الملبس، عطِراً، صموتاً، بادي الرزانة… مما جعله عظيم الهيبة جليل الحضور يملأ العين بمرْآه.

5- كنتُ أحاول أن أقرأ عليه شيئاً، وألححتُ عليه أن يفعل وتوسّطت لذلك، ولكنه كان يمتنع ويتأبّى، وكنت أظن أن ذلك من خشية تسلّط بعض البصّاصين عليه الذين حرموه من تدريس الفقه والحديث في المسجد أو البيت لكونه منسوباً إلى المذهبية والتصوف، وقد كانت هذه التهمة سهلة القذف، فتتسبب في أذى العلماء لأدنى سبب إذا تعرّضوا لبعض الجهلة المتعالِمين، ثم علمتُ أن الشيخ كان عسِراً جداً في الأخذ عن العلماء وفي العطاء بالعلم وتعليمه، وكان محبّاً للعزلة مُقلّاً جداً في المشاركة بالمؤتمرات والملتقيات العلمية مكبّاً على القراءة والتأليف.

6- ومع ذلك فقد كان يشتدّ حرصي على لقائه والسلام عليه، وحظيت مرّة بكتابه ذي الغلاف الأخضر عن فضائل المدينة المنورة والسكن فيها، فأكببت عليه جذلان فرحاً بما نلتُه، وحرصت أن يجيزني فيه بكلمة في فضاء صفحته الأولى، ثم قرأت كتابه عن رسول الله وعظيم فضله ورفعة مكانته، ثم كنتُ اقرأ المطبوع من كتبه، وآتيه سائلاً عن مسائل مشكلة بينما كان يجلس إلى عمود من أعمدة المسجد في توسعته النبوية الأولى.

7- وكنا إذا أردنا رؤية العلماء الزائرين للمدينة طفنا حول المكان الذي يجلس فيه الشيخ فنرى عنده طائفة منهم في كل مرة فنحظى بالسلام عليهم، وطلب دعائهم.

8- وقد اختص الشيخ خليل بكتب الإمام الشافعي وسيرته ومناقبه وعلومه وشروح كتبه، وعمل على إخراجها وتحقيقها، حتى غدا من أعرف الناس به وبكتبه وشروحها، وتأثّر بالشافعي جداً في أدبه وسلوكه وشخصيته، وكان يقرّر في مجالسه أن الإمام الشافعيّ هو مؤسس علم المصطلح.

9- وقد بلغنا أن الشيخ توفي ليلة الجمعة 4 أغسطس 2023 في مكتبته في شهر الله المحرّم وهو في أواخر الثمانين من عمره، ودُفن ببقيع المدينة، وقد ترك وراءه مؤلفات جليلة ورسائل تبلغ أكثر من ستين كتاباً حقق فيها مسائل في السُّنّة وتاريخها وقضاياها، وبعضها ما يزال مخطوطاً ينتظر النور.

Please follow and like us:
د. أسامة الأشقر
مؤرخ وروائي فلسطيني