د. أسامة الأشقر يكتب: ضيوف الموت الأحياء
سألت الموتَ عن هؤلاء الذين هرعوا إلى قلعة الدبابة، وغرزوا فيها شواظهم، وأطاحوا برقبتها، فهمس إليّ:
إنكم تكرهونني، وتأبَون لقائي، ويضيق صدركم بذِكري، لكن هؤلاء يُقبلون عليّ، ويطرقون بابي، وبعضهم يقتحم عليّ داري اقتحاماً.
أنا لم أعتدْ أن يفاجئني الناس بل أنا من يفاجئهم، وكل من ينساني ويؤجّلني ويهمل ذكري فإنني سأفاجئه بحضوري ولن أتركه، ولكن لي ميعاداً مضروباً في موسم الأخذ لا أُخْلِفه لصاحب الأمر ، ولكن كيف أفعل مع هؤلاء الصناديد الذين لا يفترون عن استدعائي، وأتجنّبهم حبّاً لهم كما أحبّهم الله.
إنكم لم تعرفوني، وتجهلون عني أكثر مما تعرفون، ولو رأيتموني حقاً لوجدتم أنني ليّن حنون أحبّ أصدقائي الذين يدخلون عليّ مكبّرين، ولكنني لا أدنو منهم إذا اقتربوا مني، لأنّ قربهم مني قد يشقّ عليهم نزعي إلا أن يأمر الله باصطفائهم ويختارهم ليذيقهم من جنّته فأدنو منهم، وأقرص أحدهم قرصةَ محبٍّ تنقله في لحظةٍ صافيةٍ إلى فضاء الكريم المتعال، وأعينه على فتح الباب النوراني والدخول فيه، وأهيّئ له المقابلة.
وعندما أرى هؤلاء مقبلين عليّ هذا الإقبال فإنني أحب أن يؤجّلهم الله، لأفتخر برفقتهم ونجاحهم إذا تكرر منهم الإقبال على ربّهم وتلبية ندائه، وأحبّ أن أكون لهم ملاكَ الرحمة والثواب الذي يمهّد لهم منافذ السماء ليدخلوها مبجّلين مكرّمين.
وقد رأيتُ بعضهم يتمنّى أن يراني، ويبحث عني في كل زاوية حوله، ولكنني أتخفّى عنه لأن ربّي لم يأذن لي بعدُ أن أظهر له، وأختم بالسعادة حياته كما أراد لهم ربّي.
إنكم لو أدركتم أن بقاءكم في دنياكم هذه قاسٍ مملّ لاصطففتم على الباب، وهجمتم كما هجم عليّ هؤلاء الشجعان، ولكنكم لا ترون ما يرون، فأنا لا ظلّ لي، ولا أثرَ يدلّ عليّ، ولا صوتَ يُنذر بي إن علِمتم.
ولو عرفتموني حقّاً كما عرفني هؤلاء لعرفتم أنني بوابة الحياة ومدخل الراحة للناجحين المفلحين منكم والشجعان، ولولا طعم الفراق المرّ الذي يحيط بكم لأدركتم أنني المضيف الأوّل لكم، ورتّبتم للقائي الأول المنتظَر.