أقلام حرة

د. أنس الرهوان يكتب: حين رأوا الرسول

ما منا أحدٌ لمْ يتمنَّ أن يكون رأى رسولَ الله ﷺ يقظةً، أو أن يراهُ منامًا، ولذا تشتدُّ غبطةُ الناسِ لأصحابِ النبيِّ ﷺ، لأنهم رأوْهُ وسمعوا منهُ وخالَطوهُ، حتى قالَ القائلُ للمقدادِ بنِ عمْرٍو رضي الله عنه: «طوبى لِهاتَيْنِ العينيْنِ اللَّتَيْنِ رأتا رسولَ اللهِ ﷺ»، وقال الآخر لِحذيفةَ بنِ اليمانِ: «واللهِ لو أدركناهُ ما تركْناه يمشي على الأرضِ ولَحملْناه على أعناقنا»، وكان ثابت البناني يقول لأنس بن مالك رضي الله عنهما: «أعطني عينَيْكَ اللتين رأتَا رسولَ الله ﷺ حتى أقبِّلهما».

ولقد حفظَ لنا التاريخُ انطباعاتٍ شتَّى لأُناسٍ رأَوْا رسولَ اللهِ ﷺ في مواقفَ كثيرةٍ، منهم مَن رآهُ أولَ مرة، ومنهم مَن عرفَه في موقفٍ معيَّنٍ، فكانت تغلبُهم مشاعرُ متباينةٌ بعضُها ينحو نحوَ الطرافة، ومنها ما هو مؤثِّرٌ بالغ التأثير.

حينَ قدِمَ النبيُّ ﷺ مِن مكةَ مهاجرًا، مُرْدفًا وراءه أبا بكرٍ الصدِّيقَ رضي الله عنه، جاء الغلمانُ يسْعَونَ يقولون: جاء محمد، جاء محمد، وخرجَ العواتقُ يقُلْنَ: أيُّهُم هوَ؟ يقول أنس بن مالكٍ: فما رأينا منظرًا شبيهًا به! وكان أكثرُ الأنصارِ لم يرَوْه قبْلَها، وكان أبو بكرٍ يبدو أسنَّ من النبي ﷺ، فاحتفلَ الناسُ بأبي بكرٍ، حتى زال الظلُّ عن رسولِ الله ﷺ، فأظلَّهُ أبو بكرٍ بِرِدائه، فعَرفهما الناسُ حينئذٍ.

أما عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ رضي الله عنه، فنقشَ في صفحةِ الدهْرِ كلمةً مُلِئتْ إيمانا ونقاءً، يقول: «فَجِئتُ في الناس لأنظر، فلما تبَيَّنْتُ وجهَهُ عرفتُ أنَّ وجْهَهُ ليس بوَجْهِ كذَّابٍ».. هذا انطباعُ رجلٍ خبَرَ معادنَ الناسِ، فامتازَ عندهُ الصادقُ مِن الكاذبِ بِما تنطقُ به الوجوهُ.

أمَّا أبو رمثةَ رضي الله عنه، فيقول: «انطلقتُ مع أبي نحوَ رسول الله ﷺ، فلما رأيتُه قال لي: هل تدري من هذا؟ قلتُ: لا، قال: إن هذا رسولُ اللهِ ﷺ، فاقشعرَرْتُ حين قال ذلك، وكنتُ أظن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبهُ الناسَ، فإذا هو بشَرٌ…»!

وأما كعبُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه، ففي غزوةِ أُحُد الخالدة، بعدَ أن طارَ في الناسِ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قُتِل، قال كعبٌ إنه كان أوَّلَ مَن عرَف النبيَّ ﷺ وبشَّرَ به المؤمنينَ حيًّا سويًّا، عرَفَهُ بِبَريقِ عينيْهِ من تحت المغْفَرِ.

ومما يروى أن امرأةً قُتِل أبوها وأخوها وزوجُها يومَ أُحُد، فجعلَت تسأل عن رسول الله ﷺ، فيقال لها: هو بحمْدِ اللهِ كما تحبِّينَ، فقالت: أرونيهِ أنظر إليهِ، فأُشِيرَ لها إليه، فلما رأتْه قالت: كلُّ مصيبةٍ بعدَكَ جَلَلٌ -أي هيِّنة -.

أمَّا أشجى ما يُذكَرُ في هذا السياقِ، فإن أنس بنَ مالكٍ ذكرَ أنهم صلَّوُا يومَ وفاتِه ﷺ، فَكشَفَ الستْرَ ينظر إليهم، يقول أنس: «فهَمَمْنا أن نفتتنَ من الفرحِ برؤية النبي ﷺ»، ويقول أيضا: «ما نظرْنا منظرًا كان أعجَبَ إلينا مِن وجْهِ النبيِّ ﷺ حين وضَحَ لنا».

وإنَّ أبا بكرٍ لمَّا دخلَ على رسولِ اللهِ ﷺ بعد وفاتِهِ، كشَفَ عنه وقبَّلَه، وقال: بأبي أنتَ وأمِّي، طبتَ حيًّا وميْتًا، والذي نفسي بيدِهِ لا يُذيقُكَ اللهُ الموتتَيْنِ أبدًا!

د. أنس الرهوان

طبيب، كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى