الثلاثاء مايو 21, 2024
بحوث ودراسات

د. أنس الرهوان يكتب: شهداء غزوة أُحد

{وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ}

{أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ}

اختلف مصنِّفو السيَرِ والمغازي النبوية في تعداد المؤمنين الذين اصطفاهم اللهُ ﷻ شهداء في غزوة أُحُدٍ، ما بين مَن يعُدُّهم سبعين، وبين مَن يذكر أنهم خمسة وستون، وبين مَن يجعلهم بضعة وأربعين شهيدا!

وصحَّحَ الذهبيُّ قولَ القائلين إنهم سبعين، وجعل الأقوال الأخرى محمولةً على مَن عُرِفَ اسمُهُ من الشهداء، ومِن جملة ما استدل به مَن قال إنهم سبعون: قول الحق ﷻ: “أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا”، وذلك أن المسلمين قتلوا من المشركين يوم بدرٍ سبعين رجلا، وأَسَروا سبعين، فكان الأظهرَ= أنه استُشهِد منهم في أُحُد سبعون رجلا.

أما المهاجرون منهم فكانوا أربعة:

حمزة بن عبد المطلب،

وعبد الله بن جحش،

ومصعب بن عمير،

وشمَّاس بن عثمان،

وسائرهم كانوا من الأنصار.

١) حمزة بن عبد المطلب.

أسدُ الله وأسدُ رسوله، سيد الشهداء الأبرار.

كان من أوْثَقِ أهل الأرض برسولِ الله ﷺ رابطةً، وأدناهم إليه قربى، وأمَسِّهِم به رحِما، وأشبَهِهم به نسبا!

فإنه: عمُّ رسول الله ﷺ، أخو أبيه.

وأمُّه: هالة بنت أهيب بن عبد مناف، ابنةُ عمِّ آمنة بنت وهب، فصارَ كابنِ خالةٍ لرسول الله ﷺ.

وهو أيضا أخو رسول الله ﷺ من الرضاعة، أرضعَتْهما ثويبةُ، مولاةُ أبي لهب بن عبد المطلب.

وهو أيضًا سِلْفٌ لرسول الله ﷺ، لأنه تزوَّجَ سلمى بنت عميس الخثعمية، وهي أختُ اثنتيْنِ من أمهات المؤمنين: زينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث، كلُّهن أخواتٌ من الأم!

وكان على ما كان عليه الناسُ قبل مبعث رسول الله ﷺ، ثم ألقى الله ﷻ على لسانه كلمةَ الإسلامِ، فلتةً كانت من حمزة، وكان رجُلًا شديد البأس، قويَّ الشكيمة، فأمضى اللهُ ﷻ له كلمَتَهُ تلك، وحقَّقَهُ بها، وثبَّتَه على الإسلام، وأعَزَّ به وبالفاروق دينَهُ، وجعَلَهُما فيْرَقَ ما بين السابقين الأولين إلى الإسلام وبين مَن بعدَهم، رضي الله عنهم أجمعين.

كان حمزةُ رئيسًا لإحدى السرايا النبوية، بل هي أُولَى السرايا الإسلامية، ثم شهِدَ ملحمةَ بدرٍ الكبرى، وفعَّل يومئذٍ بالمشركين الأفاعيلَ، ثم شهِدَ غزوةَ أُحُدٍ الخالدة، وكان كالجمل الأورَقِ، لا يقوم له شيءٌ.

لكن، كان دمُهُ الشريفُ عتقًا لرجُلٍ كان حينئذٍ لا وزنَ له عند الله ﷻ، ولو مات ذاك الرجُلُ على الحال التي كان عليها، لألقاه اللهُ في جهنم غيرَ عابئٍ به، لكن تداركَهُ الله برحمةٍ منه، واجتذبَ إلى الإسلامِ قلبَه، لكن رسولَ الله ﷺ لم يكن يمكنُه أن ينظرَ إلى وجه قاتلِ عمِّه وأخيه وسِلفِه، فكان أبدًا مُعرِضًا عنه، وكان ذاك الرجُلُ أبدًا متواريًا من رسول الله ﷺ!

كان مصرعُ حمزةَ رضي الله عنه= أثقَلَ المصارعِ على قلبِ رسول الله ﷺ.

وقفَ ﷺ عليه وهو قتيل، فبكى حتى نشَج، وقال: ما وقفتُ موقفًا أغيظَ عليَّ من هذا!

وقال: لن أصابَ بمثلِكَ أبدا.

وكان يريدُ أن يتركَه بغير دفنٍ، كيما يُحشر مِن بطون السباع وحواصلِ الطير، لكنه كرِهَ أن تحزَنَ صفيةُ بنت عبد المطلب، لأنها كانت شقيقةَ حمزةَ، رضي الله عنهما.

صلى رسولُ الله ﷺ على شهداء أُحد رجلا رجلا، وصلى على حمزةَ معَ كلِّ رجلٍ منهم.

وسمِع نوائحَ الأنصارِ على شهدائهم، فشَجِيَ، وقال: لكنَّ حمزةَ لا بواكيَ له.. فانقلبَ نواحُهن بكاءً على حمزةَ، مواساةً لسيد الأنام في سيِّد الشهداء، فنهاهُنَّ حينئذٍ عن النواح على الموتى.

سمَّى حمزةُ نفسَه: أسدَ الله وأسد رسوله.

وسماه رسول الله ﷺ: سيد الشهداء.

كانت تعاوِدُ رسولَ الله ﷺ أشجانُ حمزةَ لا تفارقه، لمَّا ثبَتَ أبو سفيان بن الحارثِ بن عبد المطلب معَ رسولِ الله ﷺ يوم حنين، وأحسَنَ البلاءَ في تلك الغزاة، قال رسولُ الله ﷺ: أرجو أن يكون خلَفًا مِن حمزة!.

سلام الله على حمزة، ورحمة الله على حمزة، ورضوان الله على حمزة.

٢) عبد الله بن جحش.

المجَدَّعُ في الله.

رجُلٌ كريم العنصرين، من بيت إسلام قديمٍ وهجرةٍ مباركة.

أمُّه: أميمة بنت عبد المطلب، عمةُ رسول الله ﷺ، شقيقةُ أبيه.

وأبوه: جحش بن رئاب، من بني أسد بن خزيمة، وكانوا حلفاء لبني عبد شمس بن عبد مناف، وأسلَم منهم جماعةٌ طيبةٌ مباركة، منهم: زينب بنت جحش، أم المؤمنين، رضي الله عنها وعن أولئك القوم أجمعين.

وكان بنو أسد هؤلاء: ممن هاجروا إلى الله ورسوله كافة، وغَلِقَتْ بيوتُهم بمكة، لم يبق فيها منهم أحدٌ، وكان منهم أقوامٌ مضربُ المثل في الشجاعة والبسالةِ، وحسبُهم أنَّ منهم أوَّلَ مَن امتدَّ كفُّه لبيعة الرضوان.

كان عبدُ الله بن جحشٍ أميرا على سريةٍ من السرايا النبوية المهمة في مسيرة الجهاد الإسلامي، اختارَه النبيُّ ﷺ رئيسا لتلك السرية، لأنه كان أصبَرَهم على الجوع والعطش، وأمَرَهُ أوامرَ محددةً في مخرجه ذلك، ونهاه وأصحابَه عن القتال، لكنهم لما بصُرُوا بأفراد القافلةِ التي وَجَّهَهم النبيُّ ﷺ لرصد أخبارها، لم يملكوا أنفسهم، فقاتلوا، وقتَلوا وأَسَرُوا، واحتازوا الغنائمَ وقسموها، فلما رجعوا إلى النبي ﷺ، قال لهم: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام!

وقرَّعَهم المسلمون، وطارَ المشركون بخَبَر قتالهم في الشهر الحرام، فسُقِط في أيديهم، لكن اللهَ ﷻ أنزل قولَه تعالى: “يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل”، فسُرِّيَ عنهم، وَبَاءَ المشركون بغيظهم.

في غزوة أُحُد، خلا سعدُ بن أبي وقاصٍ وعبدُ الله بن جحش في ناحيةٍ، يدعو اللهَ كلٌّ منهما بما يريد.

دعا سعدُ أن يلَقِّيَهُ اللهُ ﷻ رجلًا شديد البأسِ شديدَ الحرَدِ، يقتُله سعد ويأخذُ سَلبَه، فاستجابَ اللهُ له.

ودعا عبدُ الله أن يلقِّيَهُ الله ﷻ رجلًا شديد البأسِ شديدَ الحرد، يقتُلُ عبدَ اللهِ، ويجدعُ أنفَهُ وأذنَهُ، فيسألُه الله ﷻ يوم البعث: فيم جُدِعَ أنفُكَ وأذُنُك، فيقول عبد الله: فيكَ وفي رسولك، فيقول الله ﷻ له: صدَقْتَ.. فاستجابَ الله له!

قال سعدُ: لقد كانت دعوةُ عبد الله خيرا من دعوتي،

ولقد رأيتُهُ آخرَ النهار، وإنَّ أنفَهُ وأُذنَهُ لَمُعَلَّقَان في خيط!.

ثم دفن مع خاله حمزة بن عبد المطلب في قبرٍ واحد، رحمة الله وبركاته ورضوانه عليهما.

٣) مصعب بن عمير.

سفيرُ الإسلامِ الأولُ.

كان يقال له: مصعب الخير.

أبوه: عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.

وأمه: خُناس -أو أمُّ خناس- بنت مالك، من بني عامر بن لؤي.

وكان سِلفًا لرسول الله ﷺ، لأنه كانت عنده حمنةُ بنت جحش، وهي أختُ زينب بنت جحش أم المؤمنين، رضي الله عنهم.

كان يُطعمه أبواه أطايِبَ الطعام، ويسقيانه أعذب الشراب، ويكسوانه أبهى الحُلَل، ويطيِّبانه بأذكى الأطياب، فكان رقيقَ البشرة، حسن اللمَّة، صبيحَ الوجه، قسيمًا وسيمًا، ناعمَ العيش، هنيءَ البال، فتى مكةَ جمالًا وشبابًا ومالا.

فأخرجه من ذلك حبُّ اللهِ ورسولِه، والرغبةُ في الخير!

فلما أسلم، سلَبَتْهُ أمُّه كسوةَ الحسنِ التي كانت تكسوه، ومنعَتْهُ أطايِبَ ما كانت تحبوه، فلم يُلْقِ لذلك بالا، بل عاشَ مُفعَمَ الجوانحِ إيمانا وخيرا.

لكن رخاءَ العيش الذي كان فيه، كان له بعضُ الأثرِ عليه أيامَ البلاء، فلما حُصِرَ أهل الإيمان في الشعب حصارَ الظلم والجور، كان مُصعَبُ يُغشى عليه من شدة الجوع والضُّرِّ، وكان جلدُهُ يتطايَرُ عنه كما يتطايَرُ جلدُ الحيَّة عنها!

ثم انبجسَتْ عينٌ من الهدى، وانبثقَت شعبةٌ من النور بطيْبَة، وأخذ الإسلامُ ينسرِبُ إلى أهلها شيئا فشيئا، فبعثَ رسولُ الله ﷺ مصعَبَ بن عميرٍ، سفيرا إليهم، يعلمهم القرآنَ والإسلامَ، ويفقِّهُهم في دين الله، فأسلم على يديْهِ ساداتٌ من الأنصار، أسيد بن حضير، وسعد بن معاذٍ، وأسلمَ بإسلامِ سعدٍ= بنو عبد الأشهل، قومُ سعدٍ، رجالا ونساءً، رضي الله عنهم جميعا.

وكان مما استقرَّ عليه أمرُ قريشٍ: أن ألوية الحروبِ يحملُها بنو عبد الدار بن قصي، فكان لواءٌ من ألوية المسلمين يوم أُحُدٍ بين يديْ مصعب بن عمير.

قاتَل مصعبُ يومئذٍ مستبسلًا، حتى أسلَمَه ابنُ قَمئَة الليثيُّ إلى مصرَعِهِ، قطَعَ يديْهِ، فاحتملَ مصعبُ اللواءَ بعَضُدَيْه، ثم ارتقى معراجَ الشهادةِ البهيَّ!

وظنَّ ابنُ قمئةَ أنه قتَل به رسولَ الله ﷺ!

ولم يجدوا لتكفينِه إلا قطعةً من قماش، إذا غطوا بها رأسه، بَدَتْ قدماه، وإن ستروا قدمَيْه، انكشفَ رأسُه.

كانت صورةُ تكفينه تلك تستدرُّ دموعَ خيارِ أصحاب رسول الله ﷺ، بعد دهرٍ من تلك الحادثة، كما كانت صورةُ حاله وهيئته ونضرةِ النعيمِ في وجهه أيامَ شبابِه، تستحثُّ مكامن الشجى في نفس رسول الله ﷺ وهو حيٌّ.

بكى لذكراها خبَّابُ بن الأرَتِّ.

وأسبَلَ الدموعَ عبدُ الرحمن بن عوفٍ، مستدعيا تلك الصورةَ إلى ذهنه، وهو على مائدةِ طعامه، فلم يزل يبكي حتى برَدَ طعامُه!.

رضي الله عن مصعب الخير، ورحمه وأكرمه.

٤) شمَّاسُ بن عثمان.

اسمه عثمان.

أبوه: عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم.

وأمه: صفية بنت ربيعة بن عبد شمس.

وإنما سمي “شمَّاسًا”، لأن رجلا من شمامسة النصارى قدِمَ مكةَ في الجاهلية، فأعجَبَ الناسَ حسنُهُ وجمالُه، فقال شيبةُ بن ربيعة: أنا آتيكم بشَمَّاسٍ أحسنَ منه.

فأتاهم بابن أختِه عثمان بن عثمان، وكان في الغايةِ من حسن الصورة، فسُمِّيَ شماسا لذلك الموقف الطريفِ!

لن تجد لهذا الرجلِ العظيمِ ترجمة موسعة، ولا أخبارًا كثيرة، بل حتى البطنُ الذي هو منه في بني مخزوم: بطنٌ يعَدُّ مغمورًا.

لكنه كان من الأماجدِ الكرام الأبرار!

كان حسنَ البلاءِ في غزوة أحد، حتى قال رسولُ الله ﷺ: ما تَلَفَّتُّ ناحيةً إلا رأيتُه يقاتلُ دوني.

والتحقَ يومئذ بركاب الشهداء، ليس له عقِبٌ سوى مجده الخالد التليد: سيرةٌ مختصرة، عنوانها: الهجرة والجهاد، ونيلُ الشهادة في سبيل الله!.

رحمة الله عليه ومغفرته ورضوانه.

٥) الأنصار.

“إنا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء”.

لقد كانت ساحةُ المعركةِ يوم أُحُدٍ، مطارًا تستبِقُ إليه أرواحُ الأنصارِ لنيلِ مقاعدِها في جنات عدن، في منازل الشهداء البررة!

إنك لَتقرأُ في تراجمهم، فتجِد طائفةً من تلك التراجم ليست إلا سطرا أو فوقه يسيرًا، ونصفُ ذلك السطر: “استشهد يوم أحد”!

لقد استَوْدَع رسولُ الله ﷺ في ساحة تلك الغزوة من الأنصارِ عددًا غير قليلٍ، ذوي بأسٍ شديدٍ وبلاءٍ حسنٍ مجيد.

كان منهم وأوَّلَهم: عبد الله بن عمرو بن حرام، خرج يومَ بيعة العقبة إلى مكة كافرا، وعادَ يومئذٍ نقيبًا على قومه! وكان أولَ شهداء تلك الغزوة الخالدة.. أحياه الله بعدَ موته، وكلَّمَه كفاحًا من غير حجاب، وقال له: تمَنَّ عليَّ أُعطِكَ.

وكان منهم: عمرو بن الجموح، الشيخُ المُسِنُّ الأعرج، الذي كان آخر قومِه إسلاما، ثم ألحَّ على بنيه أن يجهِّزوه للخروج إلى الغزو، لعلَّه يطَأُ بعَرجَتِه تلك جنةَ الفردوس، فكان له ما تمنى، وكان رفيقًا لعبد الله بن عمرو في حياته، ثم اصطحبَا في البرزخ، وكأني بهما رفيقَيْن في الخُلْدِ في دار المقامة والكرامة!

وكان منهم: أنس بن النضر، عمُّ أنس بن مالك، الذي غاب عن بدرٍ، فأشْهَدَ اللهَ لئِنْ خرج مع رسول الله ﷺ غازيا لَيَريَنَّ اللهُ صنيعَه.

ثم خرج إلى أحد، فلما رأى ما بالمسلمين يومئذ، اعتذر إلى الله من صنيعهم، وبرئَ إليه من صنيع المشركين، ثم مضى سيفًا مصلَتًا، يفري في المشركينَ فَرْيَه، يستنشقُ عبيرَ الفردوسِ وهو على الأرض، حتى ارتقى إليه شهيدا، ليس في جسدِه موضعٌ إلا عليه طابَعُ الشهادة، حتى ما عرَفَه أهلهُ من كثرة الطعن والضرب.

ولم يعرفْهُ إلا أختُه، عرَفَتْه بِبَنانِه!.

وكان منهم: سعد بن الربيع، خرج غازيا باسلا، فطُعِن بضع عشرةَ طعنة، نفَذَتْ إلى مَقاتِلِه، وهو في ذلك لا يهمُّه إلا سلامةُ رسول الله ﷺ، ويرى أن المسلمين لا يُعذَرون إذا أصيبَ ﷺ وفيهم عينٌ تَطْرفُ.

وكان منهم: خيثمة بن الحارث، اقترَعَ مع ابنِه سعدٍ للخروج إلى غزوةِ بدر، فجاءتِ القرعةُ لابنه، فأرادَ خيثمةُ من ابنِه أن يؤْثِره بالخروج، فقال له ابنُه: لو كان غير الجنة، لَآثَرْتُكَ به!

ثم استُشهِد سعدُ يومَ بدر، واستُشهدَ أبوه يوم أحد، وذلك جِماعُ أخبارهم في الكتب: أسطرٌ يسيرةٌ، متخمةٌ من الشرفِ والمجد والسناء!

وكان منهم: حنظلة بن أبي عامر، دخل بامرأته عريسا قبلَ الغزوة، ثم سمِعَ النفيرَ، فخرَجَ غازيا وهو جُنُبٌ، فقاتَل حتى استُشِهد، فغسَلَتْه ملائكةُ الرحمن!

وكان منهم: خمسةُ نفرٍ، استشهدوا بين يدَيْ رسولِ الله ﷺ مدافعين عنه، باذلين أنفسَهُم دونه، آخرَهم: زياد بن السكن، فوَسَّدَهُ رسولُ الله ﷺ قدمَه الشريفةَ، فقضى زيادُ نحبَهُ على تلك الوسادةِ الكريمة!

وكان منهم: اثنا عشرَ أنصاريا، افتدوا رسولَ الله ﷺ بأرواحهم، فحَفِظَ اللهُ ﷻ ذكرَ فِعالهم في العالمين، وجعل لهم لسانَ صدق في الآخرين!

وكان فيهم: اليمانُ بن جابر، وثابتُ بن وقش، شيخان كبيران ليس فيهما جهدٌ للقتال، إلا أن أبصارَهما طمَحَت إلى مراتب الشهداء، فنزَلَا إلى معتَرَك الناس، فقتل المشركون ثابتا، وقتَل المسلمون اليمانَ خطأً، فتصدَّقَ ابنُه حذيفةُ بدِيَتِه!

وكان فيهمُ الرماة الأبطال، الذين عصوا مِن بعد ما أراهم الله ما يحبون، فاصطفاهم شهداء نجباء، وكان آخرَهُم: عبدُ الله بن جبير، رئيسهم وأميرهم، الذي نهاهم عن معصية الرسولِ في ذلك الموقف، فلم ينتهوا، فأخذَتْ سيوفُ الأعداءِ من أجسادهم مأخذها وطاروا شهداءَ جميعا، وقاتَلَ عبدُ الله حتى انكسر سيفه، ثم طاعَنَ حتى انكسر رمْحُه، ثم رامى حتى فنِيَ نبلُه، فارتمى في المشركين حتى ارتقى بينَهم شهيدًا حميدا!.

وكان بينهم أبطالٌ كثير، مذكورون في بطون الأسفار، مخلَّدون في منازل الأبرار.

رضي الله عن الأنصار، وعن أبناء الأنصار، وعن أبناء أبناء الأنصار!.

Please follow and like us:
د. أنس الرهوان
طبيب، كاتب وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب