السبت أبريل 27, 2024
أقلام حرة

د. أنس الرهوان يكتب: كان في حياةِ رسولنا الحبيب ﷺ أمَّهاتٌ عدةٌ

كانت أمَّه التي أنجبَتْهُ= آمنةُ بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب، القرشية الزهرية، أوسطُ قومِها نسبًا، وأعظمُهُنَّ شرَفًا في زمانها، وظهر لها من الآياتِ ما هو مُعجِبٌ مُطربٌ، في مدةِ حمْلها به وعندَ ولادتِه وبعد إشراقِ الدنيا بأنوارِه البهيَّة، وكانت تُخبَرُ أنه سيِّدُ ولدِ آدم، وعاشتْ بعدَ مولدِه الشريفِ ستَّ سنينَ، ثم أدْرَكها الأجلُ المحتومُ في طريقِ عودتها من المدينة وهي بالأبواء.

ثم كانت أمَّهاتِه من الرضاعة:

ثويبةُ، مولاةُ عمِّه أبي لهبٍ، أرضعَتْهُ مع ابنٍ لها، يقال له: مسروح، وأرضَعَتْ قبلَه= عمَّه حمزةَ بن عبد المطلب، وبعدَه= ابنَ عمَّتِه أبا سلَمةَ بنِ عبد الأسد، وهي أوَّلُ امرأةٍ أرضعَتْه ﷺ.

وحليمةُ، وهي ابنةُ أبي ذؤيبٍ السعدية، قدمَتْ مع نسوةٍ من قومها إلى مكةَ يلتمِسْنَ الرُّضَعاءَ، فكان محمدٌ ﷺ حظَّها منهم ونصيبَها من بينهم، وكانت متردِّدَةً عن أخْذِه أوَّلَ الأمر، لِيُتْمِهِ وكونهم يلتمسون أجرَ الرضاعة من الأب، لكن زوجها حضَّها على أخْذِه رجاءَ أن تصيبهم منه بركةٌ، فإذا البركاتُ تنهمرُ عليهم كالغيثِ مدرارًا! وكان لها من زوجها الحارثِ بن عبد العزى السعدي أبناء: عبدُ الله، وحفص، وأنيسة، وحذافة -وهي الشيماء-، فهؤلاء إخوةُ رسولِ الله ﷺ من الرضاعة.

وكانت أمُّ أيمنَ، وهي برَكةُ بنت ثعلبةَ الحبشية= أمًّا لرسولِ الله ﷺ بعدَ أمِّه آمنة، ورِثَها عن أبيه، ثم أعتقها حين زواجهِ من خديجةَ بنت خويلدٍ، وجاء عنه ﷺ أنه قال: هي أمِّي بعدَ أمِّي، وبقيَّةُ أهلِ بيتِ.. وكانت تُدِلُّ عليه بهذه الأمومة، ومن طريف ما حُكي عنها= أنها ناوَلَت رسولَ الله ﷺ شرابًا، فإما كان صائمًا، وإما لمْ يُرِدْه، فجَعَلَتْ تصخَبُ عليه، كفعلِ الأمِّ حين يمتنعُ ابنُها عن طاعتها! ولمَّا انتقلَ ﷺ إلى جوار ربه ﷻ، جعَلَت تبكي، فواساها أبو بكرٍ وعُمَرُ، فذكَرت أنها إنما تبكي على انقطاع الوحْيِ من السماء، فهيَّجَتْهما على البكاء، فبَكَيَا معها! وكان لها من الولد= أيمنُ بنُ عبيد الحبشي، وأسامةُ بنُ زيدٍ النبويُّ، حِبُّ رسول الله ﷺ وابنُ حٍبِّهِ.

وكذلك كانت فاطمةُ بنتُ أسدِ بن هاشم أمًّا له ﷺ، وهي= ابنةُ عمِّ أبيه عبد الله، وامرأةُ عمه أبي طالب، وأمُّ بني عمه: طالبٍ وعقيل وجعفرٍ وعلي، وأمِّ هانئٍ وجمانةَ، كان رسولُ الله ﷺ يحبُّها ويزورها، ولمَّا ماتت، نزل ﷺ في قبرها، وألبَسَها قميصَهُ، وجزَّاها خيرًا.

وكانت أمُّ المؤمنين خديجةُ بنت خويلدٍ زوجَه الأولى، وكانت له كالأمِّ الرَّؤومِ، صدرًا حانيًا، وقلبًا عَطوفًا، ويدًا تمسحُ عن قلبِهِ مَسَّ الضُّرِّ الذي ينالهُ من أي ناحيةٍ كان، حتى التحقَتْ بركاب الخالدين في النعيم الأعظم.

ثم كانت ابنتُهما الزهراء، فاطمةُ البتولُ، “أمُّ أبيها”، التي كان يحبُّها أعظمَ الحُبِّ، ويُجِلُّها غايةَ الإجلالِ، ويقومُ إليها ويقَبِّلُ رأسَها إذا أقبلَتْ إليه، ولم يكنْ أحدٌ من أهل بيته في نفسِه أعظمَ منها منزلةً، ولا أرفعَ مكانةً، حتى مضى إلى ربِّه ﷻ، ولَحِقَتْ به بعد مُدَيدَةٍ، فهي أوَّلُ أهلِه لحوقًا به ﷺ!

Please follow and like us:
د. أنس الرهوان
طبيب، كاتب وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب