الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. أنس الرهوان يكتب: من أخبار الجمعة في عهد النبوة

«رحمة الله على أسعد بن زرارة».. كانت هذه الدعوةُ الكريمة لا تفارق لسانَ كعب بن مالك رضي الله عنه، كلما سمع النداء للصلاة من يوم الجمعة.

كان كعبُ قد كبِرَ وذهب بصَرُه، وكان ابنُه عبد الرحمن يقوده في حوائجه، فكان يسمع منه الترحُّمَ على أسعد بن زرارة والاستغفارَ له كلَّ جمعة، فيستغربُ عبدُ الرحمن ذلك، ثم إنه أزال حجابَ الاستغراب بسؤال أبيه عن سبب اختصاصِه أسعدَ بدعوتِه تلك، فطافتْ بكعبٍ أشجانُ أيامِه السالفة، أيامَ انفساحِ قلوب الأنصارِ لاستقبال الدين الحنيفِ وشعائرِه.. فأخبر ابنَهُ عبدَ الرحمنِ أن أسعدَ رضي الله عنهم كان أوَّلَ مَن جمَّعَ بهم -أي صلى بهم الجمعة-، بمكانٍ يقال له: نقيعُ الخضمات، فسأله عبد الرحمن: كم أنتم يومئذ، فأجابه كعب: أربعون رجلًا.

وحين قدم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مدينةَ الخير والبركات، نزل أولَ ما نزل بقباءَ، عند بني عمرو بن عوف من بطون الأوس، فأقام فيهم ما أقام، وبنى مسجدهم، ثم انصرف عنهم يومَ الجمعة، فأدركَهُ وقتُ صلاةِ الجمعة في ديار بني سالم بن عوف من الخزرج، فصلَّاها بأصحابه وكانوا مئة رجلٍ، في بطن وادٍ يقال له: الرانوناء، بمكانٍ يسمى القبيب، وكانت أوَّلَ جمعة يصليها النبي عليه الصلاة والسلام بعد هجرته، وقيل: أول جمعة بعد خروجه من قباء، ثم بُني بعد ذلك مسجدٌ في موضع صلاتِه، يقال له: مسجد الجمعة، ومسجد بني سالم، ومسجد عاتكة، ومسجد الوادي، ومسجد القبيب، ولكلِّ اسمٍ دلالتُه.

ومن أخبار الجمعة المشتهرة: أن رسول الله كان يخطب يومَ الجمعة، فوصلَتْ قافلةٌ تجارية استلْفَتَتْ قلوبَ أصحابه، فانفضُّوا إليها، وتركوا النبي عليه الصلاة والسلامُ قائمًا، ليس معه في المسجد سوى اثنَيْ عشَر رجلًا، فأنزل الله تبارك وتعالى في شأنهمُ الآية الكريمة: {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند اللهِ خيرٌ من اللهو ومن التجارة واللهُ خير الرازقين}.

وكان في المدينة على عهد رسول الله امرأةٌ لها مزرعة، فكانت تجعل نباتَ السِّلْقِ على أربعاءَ لها -والأربعاء: الجداول الصغيرة وقيل: الساقيات الصغيرة، وقيل: حافات الأحواض-، فإذا جاء يوم الجمعة، تنزع أصولَ السلْقِ وتجعله في قِدْر، ثم تجعل عليه شيئا من الشعير المطحون، فتكون أصولُ السِّلْقِ كالمرَقِ لذلك الطعام، يقول سهل بن سعد رضي الله عنه: وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلِّمُ عليها، فتقرِّبُ ذلك الطعامَ إلينا فنلعقُهُ.. وكنا نتمنى يومَ الجمعة لِطعامها ذلك!.

صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحابته أجمعين.

Please follow and like us:
د. أنس الرهوان
طبيب، كاتب وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب