الأثنين أكتوبر 7, 2024
مقالات

د. أنور الخضري يكتب: الانتقائية الأهوائية

مشاركة:

يمتاز العالم بالمنهجية المنضبطة، والتي لا تتناقض في مسالك فهمها واستنباطها واستدلالها ونقدها.

وعندما تفقد هذه المنهجية التي تتلقى كابرا عن كابر، وتستقى من طول المكث والانكباب على كتب أهل العلم ومجالس العلماء الفحول من أهل الاختصاص، يصبح الشخص انتقائيا مزاجيا يأخذ من النصوص والروايات والقواعد والضوابط والمراجع والمصادر ما يعجبه ويترك ما لا يعجبه.

من ذلك أن أحدهم عاد إلى كتاب “مقاييس نقد متون السنة”، للدكتور مسفر غرم الله الدميني، وهو في أصله رسالة علمية، وأخذ بعض الروايات ليثبت لنا أن منهج الصحابة -رضي الله عنهم- في التعامل مع الأحاديث هو اعتمادهم القرآن الكريم مقياسا حاكما على الروايات، ويقصد بذلك أن يكون القرآن هو المعيار لقبول الأحاديث أو ردها!

وهو كلام سيعجب البعض في ظاهره ويعتقد أن هذا أمر سليم.. وينسى أن التسليم بهذا يهدف إلى إسقاط المرويات بافتراض مصادمتها للقرآن وبافتراض أن السائد في زمن الصحابة عدم الحفظ الجيد وضعف الفهم وكثرة الأخطاء.

وهنا نقول:

ما نشره البعض من مرويات في مسعى للقول بأن الحكم في قبول الأحاديث وردها هو القرآن محتجا بفعل الصحابة من الأحاديث التي انتقاها عليه أن يجيب علينا:

هذه الأحاديث التي انتقيتها من أين عرفت صحتها ووثقت بسندها ورواتها؟ ومخرجيها في كتبهم كالبخاري ومسلم والترمذي وغيره؟ أم أنه قبول لحاجة في النفس؟ هل التزمت مذهب علماء الأمة السابقين في ذلك أم أن لك طريقة أخرى لإثباتها؟ وهل تقبل بتلك الكتب ومؤلفيها ومروياتها حجة لنا كما قبلت بها حجة لك؟

أمر آخر…

استدلالك بهذه الأحاديث يعني أنك ترى أن فعل الصحابة رضي الله عنهم حجة تحتج بها على المخالفين. فهل تلتزم بذلك أم لا؟ فإذا التزمت بحجيتهم وحجية مذهبهم ونهجهم كان لنا معك مسلك في الحوار وإن قلت ليسوا حجة أبطلت حجتك؟ وإن قلت هم حجة في مقام وليسوا حجة في مقام قلنا لك بين لنا؟

أمر آخر…

مجموعة أحاديث فردية كيف جعلت منها قاعدة ينبغي التزامها دون أن تثبت الإجماع عليها أو تواتر رواياتها ومدلولاتها.. أليس الأصل في التعميم الاستقراء والاطراد وعدم وجود الناقض له؟

أمر آخر..

هل تعلمون أن هذه الأحاديث التي استدللتم بها لا تثبت ما تحاولون تقريره من أن قبول الحديث أو رفضه يستند للقرآن فقط، لعدة أدلة: عقلية، ونقلية.

فلو سلمنا بأن القرآن هو المرجع في قبول حديث أو رده فما المقصود بالقرآن خصوصا أن القرآن لا ينطق أو يتحدث بقبول أو رد وتصحيح أو تضعيف حديث؟! فلو وضعنا حديثا أمام المصحف كيف سينطق المصحف أن هذا مقبول أو لا وثابت أم لا؟!

فإن قلتم نقوم ((نحن)) بعرض الأحاديث على القرآن ونرى إن كانت تعارض أو لا.. قلنا فهذا تقريركم واجتهادكم أنتم ومبلغ أفهامكم وليس تقرير القرآن فقد تكونون مصيبين وقد تكونون مخطئين في تقريركم واجتهادكم بأنه معارض له أو متوافق معه، فكيف تلزمونا بآرائكم واجتهادكم؟!

ثم هذه المرويات التي تمسكتم بها تشي باختلاف الصحابة بين عامل بالحديث الذي بلغه وبين المعترض الذي وضع احتمالات أو ظهر له خطأ المتكلم إذ أن الأحاديث التي استدللتم بها لم تثبت الحسم في تلك القضايا بل ظلت محفوظة موروثة معمول بالقولين الواردين فيها، فمن أين رجحتم أن منهجهم هو أحد المسارين دون الآخر؟!

Please follow and like us:
د. أنور الخضري
مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *