مقالات

د. أنور الخضري يكتب: الصف المسلم السني

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه،

والصلاة والسلام على النبي الكريم وصحابته الميامين،

وبعد..

فإن الأمة الإسلامية اليوم، المتمسكة بكتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، ونهج الصحابة والتابعين، تعددت مدارسها العقدية ومذاهبها الفقهية. وهي اليوم تواجه موجة من الإلحاد والانحلال والتيهان لا يمكن لفريق واحد أن يتصدى له. وتواجه غزوا وعدوانا وهجوما في كل بلد وقطر، يفتك بأبنائها ويدمر مقدراتها وينهب ثرواتها، في موجة استعمار قادمة بقوة.

وفي ظل هكذا أحوال وظروف تحتاج الأمة أن تجتمع وتتوحد لمواجهة هذه المخاطر، وأن تضع خلافاتها العقدية والفقهية على طاولة الحوار وفي معاهد العلم، أما في الدعوة والجهاد فعليها أن توحد خطابها ونضالها باتجاه ما يتهددها.

إنني وإن كنت سلفي المعتقد لا أرى اليوم خلافي مع المدارس العقدية السنية، وخصوصا الأشاعرة ومن كان قريبا منهم، خلافا يقتضي الخصومة والقطيعة والهجر ولا أن يمتد الخلاف إلى مواطن الاتفاق ومساحات الاجتهاد، فضلا أن تغمط مقامات السابقين منهم في الإيمان والدعوة والتعليم والعبادة. إن اختلافنا في قضايا عقدية لا تنقض التوحيد ولا أركان الإيمان هو مما يقع لاختلاف الأفهام والعقول، ومما دخل فيه على الكثير إشكالات، ومع ذلك يبقى سياج الإسلام والقيم والأخلاق وفضائل الأعمال جامعا لنا.

وهذا لا يعني السكوت عن الاختراق الشيعي الذي يتخذ من بعض المدارس مطية للتشيع الغالي والمنحرف، ولا السكوت عن الشركيات التي تحيي العبادة والدعاء لغير الله تحت مسمى التوسل بالأولياء، ولا مظاهر الخرافة وطقوس الضلال باسم التصوف الذي لم يعرف هذه الانحرافات المتأخرة حيث كان تصوف الرعيل الأول نقيا تقيا يبتعد عن متع الدنيا ولا ينغمس بها، ولا الفلسفة الباطنية التي تروج للحلول والاتحاد وتتأول الآيات والأحاديث لهذه المعاني الكفرية.

فكل مالكي وحنفي وشافعي وحنبلي وظاهري، وكل سلفي وأشعري وصوفي، وكل دعوي وحركي وجهادي، يقر ما عنده من الحق والسبق والفضائل ويوالى لإسلامه وإيمانه، ويأخذ عنه العلم والخبرة والقدوة فيما شهد له فيه، وما أخطأ فيه يتجاوز عنه ويستغفر له ويعتذر لجنابه.

فما عاد في الطاقة ولا في الوقت متسع لحروب وصراعات لا ضرورة لها ولا فائدة منها، خصوصا أن الأعداء يوظفونها لصالحهم. وعلى الإنسان الذي وفقه الله وهداه أن يستمر في تمسكه للحق الذي علمه، وأن يدعو إليه بحكمة وتلطف وخلق، وأن يبلغ دعوة الله بالموعظة والجدال بالحسنى، وأن يوجه جهده للبناء لا للهدم وللصلة لا للقطيعة وللنصح لا للقدح.

وإن رحمة الله واسعة ومغفرته عظيمة وجنته لا يحدها غير عرشه ولها ملؤها من أهل الإسلام.

فمن كان له وفرة خيل وسلاح فليول وجهه شطر المسجد الأقصى فإن انتصار الحق به إعلاء للحق الذي معه.

د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى