ضع كتابًا سليم الطباعة قائمًا ومثبَّتًا على طاولة، وابتعد عنه مسافة 500م، هل يمكنك أن تقرأه؟!
بالطبع لا!
لماذا؟! فالكتاب مطبوع بوضوح وبشكل سليم، وعينك سليمة ولا تعاني مِن أيِّ ضعف أو خلل.
لأنَّ بينك وبين الكتاب مسافة تؤثِّر على قدرتك في الرؤية.
وهكذا هي الأفكار.. قد تنشأ واضحة لكن مع طول الأمد تصبح ضبابية مشوَّشة، لا لأنَّها لم تكن واضحة في نشأتها، ولا لأنَّ التابع لها مختل الوعي، ولكن لأنَّ بين الفكرة والتابع لها أمد زمنيًّ يفرض هذا القدر مِن التشويش والضبابيَّة.
فكيف إذا كان في الفكرة مِن أساسها قدر مِن الضبابية والتشويش؟! عندها سيكون مِن الصعب الاسترشاد بها.
الفكرة الواضحة كالخطَّة الواضحة، تشكِّل بوصلة للوعي كما تمثِّل الخطَّة بوصلة للحركة، وهذا يتطلَّب إذا طال الأمد أن تجدَّد أو أن يعاد إنتاجها بشكل أوضح، خصوصًا إذا طرأت عليها عوامل النحت والتعرية.
هذا الكلام ليس ترفًا بل هو مِن صميم حاجة الجميع له، فالأفكار هي التي تحرِّكنا وتوجِّه حركتنا. وإذا لم نعط لأفكارنا قدرًا عاليًا مِن الاهتمام سنكون كالذي يصاب بالمياه البيضاء في العينين، إذ سيفقد رؤية الخارج وستكون حركته خطرة.
لهذا يدعو الإسلام للاهتمام بالتصوُّرات والقناعات وبناءها بشكل سليم، ومراجعتها ونقدها كي ما تتَّضح، وتجديدها وإعادة ترميمها إذا طال عليها العهد أو دخلت عليها عوامل النحت والتعرية.
وقد تكون الفكرة هدفًا أو غاية منشودة، وليس بالضرورة أن تكون تصوُّرًا عن قضية أو عالم معيَّن.