د. أنور الخضري يكتب: المال الحرام
عندما تطلَّع على أخبار وقصص نهب المال العام، مِن المسئولين والموظفين والمتعاملين مع القطاع الحكومي والقطاع العام،
يصدمك حجم الفساد، يصدمك انتشار الظاهرة، يصدمك تجذُّر هذه الظاهرة مِن عقود، حتى تستشعر إلى أيِّ مدى نمت أجيال على الأموال الحرام.
الربا لم يعد الظاهرة الخطرة، كما هو حال هذا الفساد المستشري في كلِّ مؤسَّسات وأجهزة الدولة، والقطاعات العامَّة،
وكثير مِن الشركات ومؤسَّسات المجتمع المدني. والأرقام في كلِّ بلد فلكيَّة ومهولة.
وفي الحديث، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم:
(إنه لا يَربو لحمٌ نبَت مِن سُحتٍ إلَّا كانَتِ النار أَولى به).
وأثر المال الحرام على أخلاق الأجيال وشخصيَّاتهم،
حيث يسري هذا المال الحرام أمام ناظريهم بيسر ودون خوف أو ورع.
ثمَّ يتساءل الكثير: لماذا ينحرف أبنائي؟ ولماذا هذا الكمِّ مِن الفواحش والفضائح التي تتصدَّر وسائل الإعلام؟
ومِن الملحوظ أنَّ أبناء «الذَّوات» يكون الفساد والفحش والانحراف فيهم أكثر مِن غيرهم، مع عدم التوفيق، مهما تلبَّسوا بحياة النعيم والبذخ.
لأنَّ الله تعالى ينزع عنهم رضاه وعافيته، فلا تزال دعوات الفقراء والضعفاء والمرضى والمساكين
الذين حرموا حقوقهم نتيجة هذا الفساد والنهب تتوالى على الفسدة وأبنائهم وأهليهم حتَّى تحيط بهم.
بل إنَّ الأمراض الخبيثة والمهلكة، وتلك التي لا علاج لها، تنزل على أصحاب الفساد وتفتك بهم وبذراريهم. فينزع الله تعالى مِنهم ما جمهوه ليجعله هباء منثورًا.
الربا والنهب والغصب والغش
والعجيب أنَّ هناك مَن يتورَّع عن الربا ولا يتورَّع عن النهب والغصب والغشِّ وأكل أموال الناس بالحيلة والدعاوى الكاذبة!
وكأنَّ الربا أعظم حرمة مِنها، علما بأنَّ الربا عقد بالتراضي، فأيُّما عقوبة ترد فيه فهي فيما عداه مِن الظلم والجور والنهب والسلب أعظم.
وقد ذَكَرَ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-
الرَّجُلَ يطِيلُ السَّفَرَ، أشعَثَ أغبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطعَمُهُ حَرامٌ، ومَشرَبُهُ حَرامٌ، ومَلبَسُهُ حَرامٌ، وغذِيَ بالحَرامِ، “فأنَّى يُستَجابُ لذلكَ؟!”.
علمًا بأنَّ السفر موطن إجابة، ومع ذلك يحرم المرء الإجابة في مواطنها لأنَّه تغذَّى بالحرام.
فتوخَّى أخي المؤمن الحلال، مهما يكن، وتجنَّب أموال الناس، العامَّة والخاصَّة، وتطلَّع لمَ في يد الله تعالى، فهو الرزَّاق الكريم والبرُّ الرحيم.