مقالات

د. أنور الخضري يكتب: المرتد بين القديم والحديث

في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم كان الإسلام الحق ظاهرا متحققا في معظم شرائح المجتمع، نديا واضحا، لم تغلب عليه العقائد الفاسدة والطقوس البدعية والسلوكيات المنحرفة. فمن كان يعيش في ذلك الزمن كان يجد نور الإسلام حاضرا، ونصوصه طرية، ومعالمه بارزة، وأخلاقه مترجمة. فالمرتد عن الإسلام في حينه مرتد غالبا عن دين ظاهر واضح. قد توجد حالات استثنائية ترتد لاصطدامها بنموذج سيء ولكنها نادرة جدا.

مع ظهور الفرق المنحرفة، والطقوس البدعية، والعقائد الفاسدة، والغلو والتنطع، وضعف حالة التدين في المجتمع، وغلبة الشهوات والمطامع، وكثرة النزاعات والصراعات السياسية والمسلحة، خفتت معالم الدين وتراجعت مظاهره وانسحبت عن المجتمع إلى مجاميع هامشية، في المسجد أو في البيوت. فقد مرت قرون على الإسلام أوشك معها أن يزول ويغلب، حيث التشيع والتصوف والفلسفة والاستبداد والجهل والتعصب والجمود واحتلال الأجنبي وغزو المغول الهمج.

في هكذا وضع كثيرا ما كانت تغيب صورة الإسلام الحق عن الناس، فيظهر إسلام منفر ومقزز وبعيد عن الفطرة والتوحيد، وعن العقل والعلم، وعن القيم والأخلاق، وعن الاستخلاف الحضاري والنهوض العمراني، فتكون موجة الارتداد ارتدادا عن تلك الصور المشوهة لا الصور الحقة.

في غيبة الإسلام وعلمائه

وهذا يقع كثيرا في زماننا، في البلدان التي يغيب عنها الإسلام الحق، ويغيب عنه العلماء والدعاة والمصلحون والقدوات والقرآن الذي يمشي على الأرض، ويظهر تدين في لحى متنطعين، أو كرفتة منبطحين، أو عمامة متشيعين، أو مسبحة متصوفين، أو عوام جهلة ليس لهم من الإسلام إلا وصفه، يتبعون الناعقين دون وعي. فيصبح الإسلام الذي ينفر عنه الناس ويعلنون الارتداد عنه هو غير الإسلام المنزل. كما أن أوربا عندما أخذت بالعلمانية والإلحاد لم ترتد عن الإنجيل ورسالة عيسى -عليه السلام، فقد غابت رسالته تحت تحريفات الكنيسة وتجريفات الحكام الأباطرة والنبلاء الإقطاعيين، فارتدت أوربا عن الدين المحرف.

لهذا ينبغي فرز الحالات بحسب أسباب ردتها، وسياقات وظروف ردتها، ومجتمعات وبيئات ردتها. وإذا شرع في الزمن الأول دعوة المرتد للتوبة واستتابته ومراجعته، فإنه وحالة الإسلام ما نرى ينبغي إعطاء المرتد عن الإسلام المشوه فرصة لمعرفة الإسلام كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أبى هذا الإسلام ورفضه كان مرتدا خالصا.

د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى