الأثنين أكتوبر 7, 2024
مقالات

د. أنور الخضري يكتب: المصدرية والمرجعية

مشاركة:

الدستور هو وثيقة سيادية تأخذ مكانتها الملزمة بإجماع شعب ما، أو اتفاق غالبيته العظمى عليها، لتكون حاكمة على الجميع، وبغض النظر عن كيفية تصويت الشعب عليها إلا أن المعمول به هو اعتبارها أعلى وثيقة مرجعية للشعب والدولة في الوطن.

هذه الوثيقة عادة تأتي بأصول وقواعد كلية ناظمة لعلاقة السلطة بالشعب وعلاقتهما بالوطن، وحقوق وواجبات الجميع، والمهام والوظائف والصلاحيات العليا.. إلى غير ذلك من القضايا التي تمس هوية الشعب وطبيعة النظام السياسي المتبع فيه.

وعن هذه الوثيقة ينبثق شكل السلطة وشرعيتها.

ونظرا لأن هذا الدستور لا يكفي لتناول كل القضايا والمسائل والحوادث فإن من الطبيعي أن يسند الشعب للممثلين عنه، والذين ينتخبهم بشكل حر ونزيه، أن يقوموا بترجمة هذا الدستور في قوانين تفصيلية تشمل كل جوانب حياة المجتمع، لتكون المرجع لأداء السلطة التنفيذية تجاه تلك الجوانب من حياة المجتمع، ما كان منها ثابتا وما كان متغيرا.

وبالتالي يكون هناك مصدران ومرجعان للتعبير عن إرادة الأمة: الدستور وهو محل إجماعها وتصويتها بشكل مباشر، والقوانين التي يشرعها المجلس النيابي وهي محل اتفاق الأغلبية عادة، وتعبر عن إرادة الأمة بصورة غير مباشرة.

ثم واستنادا للدستور والقوانين تصدر المؤسسات والأجهزة التنفيذية الأنظمة واللوائح الأكثر تفصيلا باعتبارها تمس الجوانب الإجرائية المباشرة.

……

هذا النموذج المتطور للحياة التشريعية اليوم في حياة الشعوب أنسب مثال لتقريب مسألة: القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الفقهاء المجتهدين في الأبعاد التشريعية ولله المثل الأعلى.

فالقرآن هو المرجع الأعلى وهو محل إجماع الأمة، وهو كلام الله لفظا ومعنى، والسنة هي المرجع الذي يستمد شرعيته من القرآن، كالقوانين بالنسبة للدساتير، ولا يتوفر لها إجماعا كحال القرآن، إذ عليها أغلب السنة، لكن إضاعتها استنادا لهذا الشرط هو كإضاعة القوانين لكونها لم يجمع عليها الشعب كله!! وأقوال الفقهاء المجتهدين هي بمثابة النظم واللوائح التنفيذية بالنسبة للقرآن والسنة.

……

إذا فهمت هذه المقدمة وتركيبتها وكيف يتعامل معها الناس اليوم دون إيجاد تناقضات بينها، أو التشكيك بجدواها، أو الدعوى بكفاية الدستور وترك الناس تقرر ما يناسبها منه فهما وتطبيقا، ستعرف إلى أي مدى معركتنا ذات ارتباط بهذا النظام الإنساني الراقي في إقامة الدول اليوم وجاء به الإسلام وإن بمرجعية ومصدرية أعلى وأعدل وأجمل وأتم قبل أكثر من ١٤٠٠ عام.

Please follow and like us:
د. أنور الخضري
مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *