د. أنور الخضري يكتب: تطرف وتطرف مضاد
القول بأنَّ تراث الأمَّة الاجتهادي خال مِن أيِّ دخن أو خلل قول متطرِّف مغالٍ في حسن الظنِّ باجتهادات البشر، وتخطِّئه أدلَّة وشواهد عدَّة بل وأقوال لأهل العلم سابقًا ولاحقًا،
والقول بأنَّ تراث الأمَّة الاجتهادي مليء بالدخن والخلل حدَّ اختلاط الحقِّ بالباطل والبصيرة بالعمى قول متطرِّف مغال في سوء الظنِّ بجهود الأمَّة في الذبِّ عن ميراثها ونقده، وتخطِّئه أدلة وشواهد عدَّة،
والقول في هذه الأمور ليست لأصحاب المماحكات والخصومات والجهلة، وأعشار المتعلِّمين، وهمج القراءة بلا وعي أو تأصيل، والمتحذلقين بلا ورع ولا وعي، وإنَّما هو للعلماء الراسخين في العلم، المختصِّين في كلِّ فنٍّ، المعتدلين والمتَّزنين في أحكامهم وآرائهم بعيدًا عن فجور الخصومات وتوظيف السياسات وعصبية المذاهب.
والأصل.. أنَّ هذه الأمَّة محفوظ كتابها، ومحفوظ كلُّ ما هو شرط لحفظه، فإنَّ ما لا يتمُّ حفظه إلَّا به كونًا وقدرًا واجب على الله أن يحفظه لأنَّه سبحانه تعهَّد بحفظه، فيكون مِن لوازم حفظه حفظ الأسباب المؤدِّية لحفظه، ومِن ذلك عصبتها القائمة بالحق الناطقة بالعدل القدوة في العمل، في كلِّ زمان، وجيلًا بعد جيل، حتَّى يبقى لها إسناد الوحي متَّصلًا قولًا وبيانًا وبلاغًا وعملًا.
والإنصاف أنَّ الدخن والخلل موجود لكن بالقدر الذي لا يحجب الحقَّ ولا يضيِّعه على الأمَّة، ومع وجود القائمين عليه بالإنكار والنقد والتصحيح والمواجهة، على امتداد تاريخها.