مقالات

د. أنور الخضري يكتب: «حماس» مدرسة الجهاد والتضحيات!

إن التضحيات التي قدمتها حركة حماس ورحيل قادتها شهداء، الفارس بعد الفارس، دليل على أن هناك تربية عظيمة وافقت مجتمعا طيبا، فنزل الغيث على أرض خصبة وبذور طيبة، فأينعت خيارا من خيار، وأنجبت رجالا من رجال.

وصدقوني مهما أتيت بأفضل المناهج والمقررات، وأحسنها وأجملها مضمونا ومحتوى، لمجتمع مختل مريض لن تنتج مجتمعا ساميا وقيما ما لم يكن هو في ذاته معدن أصيل.

لقد أنزل الله تعالى على بني إسرائيل كتبا سماوية كثيرة، فيها من المواعظ والرقائق والحكم والقيم الشيء العظيم والفريد، لكن لما غلب عليهم فساد الفطرة والطبع لم تفدهم تلك الكتب على جلالتها شيئا، إلا نزرا يسيرا منهم لم يتمكن من الوقوف أمام التيار الجارف.

بنو إسرائيل هم ذرية يعقوب عليه السلام وأولاده، تمدد نسلهم وعظم حتى صاروا أمة، ورغم اختيار الله لهم ليقوموا بحمل الرسالة ووراثة الأرض إلا أن داء الكبر والحسد والغرور أصابهم في مقتل، فنظروا إلى أنفسهم على أنهم أبناء الله وأحباءه، فانغمسوا في المعاصي والآثم بتبريرات سمجة، وتواطؤوا على المنكرات، واستحلوا دم وعرض ومال كل من خالفهم، وتجرؤوا في الرد على الأنبياء والتمرد عليهم بل وقتلهم لإسكات دعواتهم المنكرة عليهم هذا الغرور والكبر والحسد. ولم تنجح محاولات الأنبياء في إصلاحهم فقد ضرب الفساد جذورهم وبات جينا متوارثا.

هذه العينة التاريخية التي يوثقها القرآن الكريم كعبرة تصح على كل مجتمع يبلغ الخلل فيه مستوى عميقا بحيث تغيب بذور الخير والصلاح فيه أو تموت. ومثالا على ذلك من واقعنا اليوم، من يسمون بالغجر، وهم أقوام منتشرون في عدة دول، مسخت فطرهم وطبائعهم بشكل عجيب، وباتوا متواطئين على نمط من العيش سلبي ومنحط، إلى درجة أن محاولات إصلاحهم الرسمية والمجتمعية، ومن خلال التعليم والدمج، باءت بالفشل في أكثر من بلد. إذ يرفضون أي تغيير لمجتمعهم الذي يعيش في أدنى صور وظيفية وقيمية. وما يتلقاه بعضهم في المدارس والجامعات لا يغير فيه شيئا!.

وهذه مشكلة خطيرة جدا، منشأها ذاتي، وإن أسهمت بعض العوامل الخارجية في تشكيله.

ولو ذهبنا نتفقد بعض السلبيات الراسخة في المجتمعات لوجدناها من هذا القبيل، فالمجتمع الفوضوي أو الارتجالي أو الخؤون أو الكاذب أو المتلبس بألفاظ بذيئة أو المتمتع بصفة سلبية طاغية مهما قدمت له من المناهج والمقررات والتربية لانتشاله مما هو فيه سيظل عصيا ومقاوما، إذ هو منشد لهذه الحالة التي اعتادها وتطبع بها، فلا يشعر ذاته بدونها! ما لم يقرر هذا المجتمع بشكل جمعي وكلي أن يتوب وأن يعدل تصرفاته وأن يتكئ على الإنكار الواضح والصريح لهذه السلبيات.

أما إذا ظل يستسهل ويسترسل في غيه وطبائعه السلبية ويسخر من أي ناصح ومصحح ومصلح فتغييره ضرب من المستحيل.

لهذا فحالة الذلة والخنوع والتيه والجبن التي أصابت مجتمعاتنا حد التخاذل والتواطؤ عليها واستمرائها حتى باتت الخلق العام والظاهرة الأبرز لن ترتفع بدون انتفاضة ذاتية جمعية تهتز لها الأرض وتنفض غبار الركام كي ما تعيد لنا معاني العزة والمنعة والشجاعة والتضحية.

ودون ذلك لن تفلح الدورات والحلقات والدروس الخصوصية.

د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights