مقالات

د. أنور الخضري يكتب: شخصية المؤسس وشطحات الأتباع

عندما تنظر لشخصية المؤسسين للحركات والجماعات الإسلامية ستجدها تتحلى بأنها شخصيات رزينة وازنة وعاقلة وعلى مستوى عال من رحابة الصدر ورجاحة العقل وسماحة النفس وتواضع في التعامل، مع فقه الروح وطيب المنطق وبشاشة الوجه، فيأتلف عليها الناس حبا وإجلالا وعرفانا، إذ تصبح هذه الشخصية آسرة بأخلاقها وإنصافها وإحسانها.

فيكون الجيل الثاني على قدر كبير من التشبع بهذه المعاني مطلعا عن كثب على فضائل هؤلاء التي في الخفاء، وكيف أن لهؤلاء جوانب من الإحسان والتضحية والوفاء والنصح لا يطلع عليها العامة.

اقرأ سيرة حسن البنا كمثال والشيخ ابن باز كمثال آخر، واستمع للقصص التي يرويها المقربون عنهم مما كانوا مطلعين عليها دون سواهم ستجد أن الله تعالى لم يطرح لهؤلاء الشخصيات القبول والمحبة والتبعية اعتباطا.

لكن مع طول الأمد وكثرة التابع يخلف خلوف لا يعرفون من تلك الشخصيات إلا الترميز والتمايز، فعوضا عن رؤية القواسم المشتركة لهؤلاء يحيلون تلك الشخصيات “لآلهة” ينصبون الولاء والعداء عليها بجهل وتعصب وسطحية وحمق. فمن هو وَدّ وسُوَاع ویَغُوث وَیَعُوق ونَسر سوى فريق من المؤمنين المتصالحين، أحالهم الجهلاء لآلهة لكل فريق منهم إلهه!.

لهذا لا تلتفت لانحراف المتأخرين ولكن انظر لنقاء النبع وصفائه من مصدره كي تعرف الفرق وكي تعرف مدى انحدار الأتباع عن قمة الجبل الأشم.

لهذا أقول لكل مسلم، أكان داعية أو خطيبا أو طالب علم أو غير ذلك، وسواء كان منتميا أو مستقلا، خذ أخلاقك وقيمك وشخصيتك من سير الكبار فعلا، اقرأ سيرة عظماء الدعوة والعلم والجهاد ستكون عظيما بحق، وإياك أن تكتفي بقشر المسميات ولحاء التعصبات، فإن الله سيسألك عن شرفك وذاتك أكثر من نسبتك ومسمى حركتك وجماعتك.

ولا تستأنس بالقاع فالوحل كثير ولكن ارتق للقمم فهناك الندرة.

أقول هذا وأنا أتأمل سيرة إسماعيل هنية إلى جانب أحمد ياسين في صورة له وهو مقعد على كرسي بثياب رثة، فما كانت هيئته ولا مظهره يوحي بجاذبية براقة، غير أن آثار قلبه انصبت على قلوب الرعيل الأول من تلاميذه فرأينا هذا النموذج الفريد.

اللهم ارحم علماء الإسلام ودعاته الذين سبقونا في الإيمان والفضل والدعوة والجهاد والتضحية.

د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى