مقالات

د. أنور الخضري يكتب: نصيحة لشباب سوريا

لا زال هناك عدد من الشباب الصادق والمخلص في سوريا لا يفرقون بين ضرورات السياسة وأساليبها وحاجة الحاكم للتدرج في إصلاح الناس، كما كان عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- يتدرج في إصلاح الرعاة والرعية في القرن الأول، أي قرب عهد النبوة والخلافة الراشدة وزمن الصحابة، وبين حالة التمكين التي لا يشوبها دخن ولا وهن. ظانين في ظل قلة الوعي بالسيرة النبوية ونهج الإسلام في الإصلاح والتغيير أن مجرد امتلاك القوة واعتلاء السلطة كفيل بأن يمنح الحاكم المسلم قدرة مطلقة يفعل ما يشاء دون اعتبار للناس وما قد يحدثوه من فتنة وثورة وزعزعة للأمن.

هؤلاء الشباب لديهم جهل واضح بحقيقة السياسة التي أشار لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كوظيفة للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مع بني إسرائيل، الذين امتازوا بعتوهم وعنادهم وكثرة مخالفتهم وعصيانهم، فقال: (كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ)، حتى أنه -عليه الصلاة والسلام- بلغته مقالة تطعن في عدالته فقال: (رحِمَ اللهُ أخي موسى لقد أُوذِيَ بأكثَرَ مِن هذا فصبَرَ)، رغم أن الطعن في عدالته طعن في الشريعة من وجه.

وينسى هؤلاء الشباب قواعد كبرى في الجوانب العملية من تنزيل الأحكام المتعلقة بالمصالح والمفاسد، والضرورات، والموازنات، واعتبار المآلات، وما يدخل في التكليف وما لا يدخل اعتبارا للقدرة والاستطاعة، والتدرج في حمل الناس على الصلاح، وتقديم الأولويات الكبرى والأهم، ومراعاة تأليف الأعداء واتقاء شرهم، فقد اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ علَى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: (ائْذَنُوا له، بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ)، أوِ (ابنُ العَشِيرَةِ)، فَلَمَّا دَخَلَ ألَانَ له الكَلَامَ، فقالت عائشة: يا رَسولَ اللَّهِ، قُلْتَ الذي قُلْتَ، ثُمَّ ألَنْتَ له الكَلَامَ؟ قالَ: (أيْ عَائِشَةُ، إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ، أوْ ودَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ)، وتسكين ثائرة الدهماء على قاعدة (لو قتلته لورمت له أنوف)، واعتبار التشويه الذي قد يحصل للإسلام وإن كان الفعل صحيحا في ذاته: (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، وانتظارا لصلاح أبناء القوم لعل أن (يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا) فإذا كان هذا الحرص مع أهل الشرك فكيف بأهل القبلة أن يصلح الله ذراريهم.

لهذا على هؤلاء الشباب أن يشكروا الله على التغلب وألا يتعجلوا الثمار ولم يمكن لهم في الأرض التمكين التام، وليحذروا أن يستغل الخبثاء غلوهم ليجردوا سيوفهم على إخوانهم ويعيدوا دورة الدماء بسوريا عن غير بصيرة فتذهب ريحهم ويفرح المتربصون يومئذ بما يكون من فتنة، وليلتزموا رأي الأكابر ونهج العلماء وما اتفق عليه خيارهم وعقلاءهم، فما تفعله إدارة سوريا اليوم بعد جهادهم وتضحياتهم لا يفعلونه إلا إدراكا بحجم المؤامرات التي لا تزال تأمل أن تجعل الشام بركة دماء لا تهدأ وطاحونة للأخيار لا تتوقف.

وإن الأمة اليوم تستبشر بما حدث في الشام وتتفهم ما يلجأ إليها قادتها، ويعون بحجم المخاطر والمؤامرات وحمولة التبعات، فسوريا لا يراد لها أن تستقر وتنهض وتصبح قوة تهدد المحتل وأذنابه.

ولو سقطت دمشق مجددا فلن يخلف القيادة الحالية إلا شر خالص، وما دول الربيع عنا ببعيد يوم إسقط الأخيار فيها تولاها الأشرار.

هذه وصيتي لأهل الشام وشبابه الناصح المخلص.

والله أسأل أن يتولاهم بعونه وتوفيق ولطفه ونصره.

د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights