إنَّ الهجرة في تاريخ الإسلام ليست حدثًا من أحداث هذا التاريخ فحسب، بل هي أساس في النهوض والحركة نحو الأمل المنشود، والمستقبل المأمول؛ فالهجرة تبعث الأمل في النفوس، حتى في أحلك الظروف وأشدِّها وقعًا على الإنسان.
لقد رصدت قريش جائزة كبيرة لمن يأتي بالرسول ﷺ حيًّا أو ميتًا، فخلبت الجائزة لُبَّ سُراقة بن مالك – كألوف من الناس الذين نراهم في كل مكان وزمان – فأخذ يلهث وراءها، ويدركُ النبيَّ ﷺ وأبا بكر الصديق وهما في طريقهما إلى يثرب، حتى يقترب منهما، وتسيخُ قدما فرسه في الرمال ثلاثًا، فيطلب الأمان، ويعاهدهما بعدها بالرجوع إلى مكة وعدم الإخبار عنهما، فيقول له رسول الله ﷺ: «ارجع ولك سواريّ كسرى». [البخاري ومسلم].
لقد كان النبيُّ ﷺ أرسخ أهل الأرض أملًا ويقينًا بأنَّ الله ناصره بعد ما استكمل الأسباب، ففي أشد الأوقات حرجًا – وهو مهاجر سرًّا ومطارد – يَعِدُ سُراقةَ بسواريّ كسرى!
إنَّ الأمل الذي ملأ قلب رسول الله ﷺ في هذا الوقت العصيب، هو نفس الأمل الذي ملأ قلب نبيِّ الله يعقوب – عليه السلام – وإنْ فقَدَ ولديْه (يوسف وأخاه) وبصره، ولكنه لم يفقد الأمل في الله عزَّ وجلَّ، ولم يُقعده حزنه عن الحركة كما جاء في قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
إنَّ الأمل ينبغي أن يملأ قلوبنا – مهما تلبَّدت الغيوم وكثرت الخطوب – بأنَّ الحق لا يُغلب، بل لابدَّ أن ينتصر، وأنَّ الله لن يدع – كما عبَّر أحد المفكرين – الرغائبَ السافلةَ تطغى على الأهداف السامية؛ إلَّا عندما يتخلَّى أصحاب الأهداف الكبيرة عن حشد طاقاتهم، والتخطيط العاقل لخطواتهم، والتلقي الكامل عن خالقهم، حينذاك تغدو كلُّ آمالهم وتمنياتهم كالزَّبد الذي يذهب جُفاء!!
د. إبراهيم التركاوي
27 يونيو 2025م