د. إبراهيم التركاوي يكتب: عندما يتسفَّل الإنسان!
كرَّم الله عزَّ وجلَّ الإنسان، فخلقه وسواه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وفضَّله على سائر مخلوقاته، وسخَّر له ما في السموات والأرض؛ ليقوم برسالته، وينهض لمهمته، فيعمر الأرض، ويقيم العدل، وينصر الحق، ويبدِّد الظلم والظلمات بأسباب الأرض ووحي السماء.
بيد أنَّ البعض من بني الإنسان قد تخلَّوا عن مهمتهم، وتجردوا من إنسانيتهم، وتردَّوْا من أحسن تقويم إلى أسفل سافلين، حتى صاروا أسفل من كل سافلٍ، وأضل من الحيوانات، وأقسى من الجمادات!
فالحيوانات لا تأكل بني جنسها، بل تجيش فيها مشاعر مُبهمة فترفع حوافرها عن صغارها؛ خشية أن تصيبهم بأذى أو مكروه.
أما الجمادات فمنها كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74].
أما الإنسان إذا مُسخت فطرته، وتبلَّد إحساسُه، وماتت إنسانيتُه، اخترع -كما قال أبو الحسن الندوي- من الجرائم، وابتدع من المآثم، ما لا يخطر على قلب بهيمة وسبع، وما زال يبتكر أنواعًا وبِدعًا مِن أساليب القتل والفتك بأخيه الإنسان، ومِن آلات الدمار والهلاك، والغازات السامة، والسموم القاتلة.. وقد بلغ هذا الإنسان في القساوة والضراوة بالدم – خصوصا إنسان هذا العصر – ما لم يبلغه سبع ولا حشرة.
وهذا ما ينضح به واقعنا الدامي مرارةً وحزنًا على ما صار إليه حال الإنسان الذي هان – دمًا ومالًا وعِرضًا – على أخيه من بني الإنسان!
ففي الوقت الذي تطالعنا فيه الأنباء في الصباح وفي المساء بالإبادة الجماعية، والمجازر الوحشية التي أقامها الإنسان هنا وهناك للقضاء على أخيه من بني الإنسان – نري في وسائل الإعلام المرئية (كَلْبًا) يُنقذ إنسانا من الغرق!
بل رأينا (جملًا) في اليمن شيَّع مع المشيِّعين جنازةَ صاحبه من بني الإنسان! وعاد المشيعون ولم يعد الجمل، فمازال بجوار قبر صاحبه ولم يبرح بعد!
وأتساءل والألم يدمي العين ويعتصر الفؤاد:
هل أصبح الحيوان أرحمَ وأبرَّ بالإنسان من أخيه من بني الإنسان؟!
أمْ آنَ الأوان ليستأنس الإنسان بالحيوان عن أخيه من بني الإنسان؟!
وأكاد أسمع مِن قريبٍ ومِن بعيدٍ مَنْ يردِّد بصوت متهدِّج مِن الحزن -من بني الإنسان- مع الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى *** وصَوَّتَ إنسانٌ فكدت أطيرُ!
حقًّا.. عندما يتسفَّل الإنسان يكون أسفل من كل سافلٍ، وأضلَّ من كل حيوان!
وصدق الله العظيم إذ يقول في بعض بني الإنسان: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان:44].
د. إبراهيم التركاوي
2 فبراير 2015م