مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: ليس غير الله يبقى: (10) السكينة في رحاب الإيمان

مَن عاش في رحاب الإيمان، تفيّأ بظلاله الوارفة، وجنى من ثماره اليانعة؛ ما يجعله يجد للإيمان سكينة تملأ قلبه، وطمأنينة تسود حياته، وكيف لا؟! وفي رحاب الإيمان؛ يثبت المؤمن إذا اضطرب الناس، ويوقن إذا ارتاب الناس، ويصبر إذا جزع الناس، ويرضى إذا سخط الناس.

وذاك سر قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. ولا غرو، فاطمئنان القلوب، وسكينة النفوس، ثمرة من ثمار شجرة الإيمان الطيبة، التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

هذا الاطمئنان الذي عمَّر قلب نبي الله موسى عليه السلام، عندما تراءى الجمعان، ورأى أصحاب موسى العدو من خلفهم والبحر من أمامهم، أدركهم الخوف؛ فقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}. فقال نبي الله موسى، بكل ثبات وعزم ويقين: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:61-62].

وهذا الاطمئنان الذي عمَّر قلب النبي ﷺ يوم الهجرة، وقد أحدق المشركون بالغار، وحزن أبو بكر وأشفق على الرسول ومستقبل الدعوة، فقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا. فقال الرسول ﷺ، في ثبات وعزم ويقين: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!».

وهذا ما سجله القرآن في قول الله تعالى:

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[التوبة:40].

تلك السكينة رأيناها جليّة في غزوة الأحزاب، إذ ابتلي المؤمنون، وزلزلوا زلزالًا شديدًا، إذ جاءهم الأعداء من فوقهم ومن أسفل منهم، وإذ زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظن الناس بالله الظنون.. في هذا الجو الرهيب ما كان من المؤمنين إلا موقف الثبات والاطمئنان والسكينة، كما سجل القرآن الكريم في قول الله تعالى:

{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}

[الأحزاب:22].

وقد يندهش المرء ويتساءل: مَن الذي منح هؤلاء المؤمنين هذا الثبات وتلك السكينة في هذا الجو العصيب؟ ومَن الذي جعل ثلة قليلة، تثبت في مجابهة أعتى قوى العالم أجمع؟! إنَّه الإيمان بالله

{الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}

[الفتح:4].

نعم، إنَّه الإيمان بالله – مع إعداد العُدَّة ورعاية السنن – الذي يُشعر المؤمن بولاية الله ورعايته، وأنَّه في معية الله، الذي يكلؤه بعينه التي لا تنام، ويحرسه في كنفه الذي لا يرام، ويمده بنصره الذي لا يُقهر!

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}

[محمد:11].

د. إبراهيم التركاوي

10 يناير 2025م

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights