الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: متى ترتقي الإنسانية إلى هذا الأدب النبويِّ الرفيع؟]

ما استحقَّ أحدٌ مِن خَلْقِ الله -سواء كانوا من الأنبياء المرسلين أو من الملائكة المقربين- كما استحقّ النبيُّ محمد ﷺ ثناءَ ربِّه عزَّ وجلَّ عليه بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

وتتجاوب الغاية من بعثة النبيِّ مع هذا الثناء الرباني الفريد: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، في قوله ﷺ: «إنما بُعِثتُ لِأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق». [السلسلة الصحيحة للألباني:45].

وقوله ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». يُمثِّلُ القمةَ السامقةَ التي لا تُطاوَلُ في مكارمِ الأخلاق!

تأمّل قوله ﷺ: «لأتمّم». إنه ﷺ يشير إلى الالتقاء مع إخوانه السابقين  من الأنبياء في الدعوة إلى القيم العالية، ومكارم الأخلاق، مع أنَّ رسالات السماء انتهت إليه وما اكتملت إلا به.. وجمع الله له كل ما تفرَّق في إخوانه الأنبياء من محاسن الخصال ومزايا الفعال.. ولكنَّه الأدبُ الجمُّ، والذوقُ الرفيع، والخُلُق العظيم!

إنَّ الإنسان ما جاء إلى الدنيا ليهدم ما بناه غيره، ولا ليرتفع على   أنقاض الآخرين، ولا ليتجاهل ما قدَّمه السابقون من خير للإنسانية..

إنَّ فلسفة النظرة الأحادية المُشبَعة بالأنانيَّة أورثتْ العالَم -أفرادًا وجماعاتٍ- العداوةَ والبغضاء، وجعلت الاختلافَ في الفكر وتعدد الرؤى اختلافَ تضاربٍ وتناقضٍ، لا اختلافَ تنوُّعٍ وتكامل!

فهل تتعلم الأُمَّة -لِتتعلم البشرية مِن بعدِها- هذا الأدبَ الرفيع والخُلُقَ العظيم من نبيِّها ﷺ مع إخوانه الأنبياء، فتتعالى على خلافاتها، وتلتقي عند القضايا المصيرية، والهموم المشتركة، فتتعاون فيما بينها، ليكمِّلَ بعضها بعضا، ويشدَّ بعضها أزرَ بعض، ولتكونَ كما أرادها الله عزَّ وجلَّ في كتابه: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]؟

وهل يتعلم عقلاء العالَم وأتباع الرسالات من نبيِّ الإنسانية ﷺ في أدبه مع إخوانه الأنبياء، فيتعاونون على تثبيت الإيمان، وعلى محاربة الإلحاد، وعلى محاربة الظلم والإباحية والتحلل؟!

وما أسَّسَهُ الحديثُ النبويُّ السابق من أدبٍ رفيع وخُلُقٍ عظيم أكَّده وعزَّزه حديثٌ آخر: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «‌إنَّ ‌مَثَلي ‌ومَثَلَ ‌الأنبياء ‌من ‌قبلي ‌كمثل ‌رجلٍ ‌بنى ‌بيتًا ‌فأحسنه وأجمله، إلا موضعَ لَبِنَةٍ من زاوية، فجعل الناسُ يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلَّا وُضِعتْ هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبِنَةُ، وأنا خاتِمُ النبيِّين». [البخاري ومسلم].

النبيُّ محمد ﷺ الذي ختم الله به المرسلين، وأكمل به شرائع الدين، في تواضعه الجمّ، وأدبه العالي، وخلقه الرفيع – يمثِّلُ لبنةً في هذا الصرح الكبير الذي شيَّده إخوانُه الأنبياء من قبل..!

إنَّ الإنسانَ الكريمَ، كبيرَ الهمة، عظيمَ الشأن، لا يتطاول على غيره بما عنده من المواهب وإنْ عظمت، ولا يستخفُّ بما عند الغير من المواهب وإنْ صغرت!

ما أجدر الإنسان اليوم وهو يرى صرح الإنسانية الكبير الذي بناه الأنبياء جميعا يحترق بنيران الجشع والظلم والعداوة والبغضاء – أن يُصغي لنبيِّ الرحمة ورسول الإنسانية ﷺ، فيصبَّ ولو قليلا من الماء ليُطفئ ما يستطيع أن يُطفئ، وليكون لبنةً صالحةً تَسدُّ ما ثُلِمَ من البناء!

وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].

ويبقى السؤال: متى ترتقي الإنسانية إلى هذا الأدب النّبوي الرفيع؟!

Please follow and like us:
د. إبراهيم التركاوي
كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب