مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: من وحي الهجرة

إنَّ أعظم خسارة تصيب الإنسان؛ هي أن يقضي حياته بلا هدف محدد، وبلا غاية نبيلة؛ فيضيع عمره سدى في قضايا صغيرة وتافهة، بين الهموم المُتشعبة، والأهواء المُتغلِّبة..

من هنا، يطالعنا هلال العام الهجري كل عام؛ ليُذكِّرنا بأنَّ المسلم الحق صاحب رسالة، وصاحب فكرة يؤمن بها، ولا يتزحزح عنها قيد أنملة، يعيش لها ويغالي بها، ويضحي بكل شيء في سبيل أن تسلم له فكرته، وتسلم له عقيدته، ولله درُّ شوقي حين قال:

قف دون رأيك في الحياة مجاهدًا ** إن الحياة عقيدة وجهاد

إنَّ الإيمان بالفكرة الصادقة، والغاية النبيلة؛ تجعل الهمَّ همًّا واحدًا، فتكون حياة المرء آمنة مطمئنة، حافلة بالعزة والقوة، التي تجعل المرء كبيرًا في صغره، بل قويًا في ضعفه، لا يبالي بالمعوقات والصعاب..، وهذا ما رأيناه جليًا في أصحاب الرسالات العظيمة..

فإنَّ الله عزَّ وجلَّ قد عذر في الهجرة مَن لا يستطيعها من الشيوخ العجزة، ولكن شيخًا مريضًا من بني ليث أَوحى إليه إيمانُه، وفكرتُه الصادقة التي يعمل لها، أنَّه أهل للهجرة، فقال: والله ما أنا ممَّن استثنى الله عزَّ وجلَّ، وإنِّي لأجد حيلة..، ولي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها. والله لا أبيت الليلة بمكة، أخرجوني.

فخرجوا به يحملونه على سرير حتى جاوزوا قريبًا من مكة، فبرحت به العِلَّة، وحضره الموت، فضرب بيمينه على شماله ثم قال: اللهم هذه لك. وضرب مرة أخرى وقال: وهذه لرسولك، أبايعك على ما بايع رسولك ثم مات..

وبلغ خبرُه أصحاب الرسول فتمنوا لو أنَّ الرجل وافى المدينة! فنزلت الآية الكريمة؛ لِتكون للصحابي الجليل وسامًا خالدًا في قرآن يُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ..} [النساء:100].

7 يوليو 2024م

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى