مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: نبيُّ الرحمة هو أمل الإنسانية

إنَّ فلسفة الحضارة المادية المتوحشة قائمةٌ على الاستعلاء والعصبية التي تُقلِّل من شأن الآخر، وتستهين بحقوقه وحياته، ففي سبيل المصلحة والأنانية تدوس كلَّ القيم، وتغتال كلَّ المبادئ، ولو أدى هذا إلى شيوع الفساد، وتخريب البلاد، وإزهاق أرواح العباد، وتشتيت مَنْ بقي منهم في كل واد!

إنَّ العالَم في ظل هذه الحضارة المتغطرسة بقوتها، والفاقدة لإنسانيتها، أصبح على شفا حفرة من الهاوية، وما شهده العالَم بالأمس وما يشهده اليوم من المآسي الدامية لهذه الحضارة المتوحشة هو ما عبَّر عنه الفيلسوف الإنجليزي (جود) في كتابه «العرب والحضارة الحديثة» بقوله: «إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة القاهرة، ولكننا نستعملها بعقول الأطفال والوحوش، إذْ استعبدنا الناس بها»!

إنَّ مستقبل الإنسانية أصبح مُهدَّدًا في ظل هذه الحضارة التي سلبت من الإنسان إنسانيته، وأطلقت فيه غرائزه وحيوانيته!

قال رئيس بلدية (كليفلند) الأمريكية: «إذا لم نكن واعين فسيذكرنا التاريخ على أساس أننا الجيل الذي رفع إنسانًا إلى القمر، بينما هو غائص إلى ركبتيه في الأوحال والقاذورات»!

وهذا ما عبَّر عنه الشاعر الهندي الكبير (طاغور) لأحد مفكري الغرب فقال: «صحيح أنكم استطعتم أنْ تُحلِّقوا في الهواء كالطير، وأنْ تغوصوا في البحر كالسمك، ولكنكم لم تُحسنوا أنْ تمشوا على الأرض كالإنسان»!

إنَّ همومَ الإنسانية المُحزنة، وآلامَ البشرية الموجعة، ومشكلاتِ العالم المستعصية – لا تُحلُّ ولا تُرفع إلا بهَدي مَنْ أرسله الله رحمة للعالمين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

ولقد أدرك هذه الحقيقةَ الفيلسوفُ الإنجليزي (برنارد شو) حيث قال: «إن المدنية الأوربية آخذة في الانهيار، وما أحوج أوروبا إلى رجلٍ كمحمد، يحل مشكلاتها، ويحقق لها الرخاء والسعادة، وهما مطلب كل إنسان»!

وأتساءل وأنا حزين: هل يدرك المسلمون ما أدركه (برنارد شو)، فيعتزُّون بدينهم، ويعرفون قدر نبيّهم، ويقدِّمون للبشرية المُعذَبة ما فيه خَلاصها؟!

إنَّ العالَم اليوم يحترق، ويبحث عمَّن يأخذ بيده، بعدما تردَّى في هاوية الرذيلة وأودية الفساد؛ فهل يرى الناس فينا ما يفتقدونه، وما يبحثون عنه من مُثُل؟ وهل ينتظرنا العالم اليوم – على شوق – كما كان ينتظر مِن قبل الفاتحَ المسلمَ الذي كانت تسبقه أخلاقُه، وتُزيِّنُه مروءتُه، وتسمو به إنسانيتُه؟!

يروي التاريخ: «أنّه فيما كان الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص يقترب من عاصمة مصر، كانت ابنة (المقوقس) مع وصيفتها (أرمنوسة) في إحدى غرف القصر ترتعد فَرَقًا، وتقول: ما أتعس حظنا؛ إن هؤلاء البدو القادمين من الصحراء لا شك سيهتكون سترنا ويبيحون عرضنا، وإنْ قاومنا سيقتلوننا! قالت لها (أرمنوسة) تُهدِّئ روعها: لا يا مولاتي؛ إنَّ هؤلاء البدو أتباعُ دين جديد، يحضُّ على التعفف، وصيانة الأعراض، ورعاية الحرمات، وإنهم يخرجون من الصحراء وكلٌّ منهم يحمل مسجده في قلبه، وهم لا يرفعون السيف إلا بقانون، ولا يضعونه إلا بقانون، وإنَّ الواحدة منا لآمَنُ على نفسها وعرضها في كنف الواحد منهم عنها مع أبيها»!

بهذه الأخلاق النبيلة، وبتلك النفوس العظيمة، فُتحت للمسلمين – مِن قبل – البلادُ، وانقادت لهم قلوبُ العباد!

وأخيرًا: هل يدرك العرب رسالتهم تجاه البشرية المتخبطة، ويَعون ما قاله الشيخ (الغزالي) رحمه الله: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ ربَّى محمدًا ﷺ؛ ليُربّي به العرب، وربَّى العربَ بمحمدٍ؛ ليربّي بهم الناسَ أجمعين»؟!

أم يتحقق فيهم ما ذكره الله قديما في منافقي العرب: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126]؟!

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights