الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: نحو قراءة واعية

لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون بداية الوحي القرآني على محمد ﷺ مَعنيَّة بالدرجة الأولى بكلمة {اقْرَأ}؛ التي تلفت الأنظار والعقول إلى مفاتيح الحضارة المتمثلة في العلم والبحث والدراسة لآيات الله في الآفاق والأنفس.

إن بداية الوحي بكلمة {اقْرَأ}، هي بمثابة إعلان مدوٍ عن وضع لبنات حضارة جديدة مؤسَّسة على العلم، وعلى القراءة الواعية المُحْصية لتجارب الأمم، ولسنن قيام الحضارات وسقوطها…!

وفي ضوء ما تقدَّم، رحت أبحث -ما استطعت- في بعض الكتب المختارة من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024م؛ عن بعض أسباب وحلول للمشكل الحضاري المأزوم الذي تمر به الأمة الإسلامية اليوم، فاستوقفني البحث عند بعض القراءات التي وجدتها، وهي:

قراءة التناقض الحادّ في واقع الأمة:

إنَّ حالة التشرذم في الأمة تعكس التناقض الحادّ بين الثراء الفكري والمنهجي الذي تنطوي عليه الأمة وبين واقعها المعاصر، ففي الوقت الذي يقتضي هذا الثراء أن تكون الأمة آخذة بكل أسباب القوة التي يحملها تراثها، يعكس الواقع كل صور الاعتلال من تجزئة وتفرق وتشرذم، وعجز واستتباع، واختلالات ثقافية.. إلخ. لقد كان من آثار هذا التناقض إثارة التساؤلات عن وجود أمة متخلفة ومتردية في حاضرها، على الرغم من وجودها متقدمة وعزيزة في ماضيها!!

القراءة التجزيئية للقرآن الكريم:

إنَّ القراءة التجزيئية والتبعيضية المتنافرة التي حذرنا منها القرآن في مثل قوله تعالى: {كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:90-92]. تُفقد القرآن الكثير من قوته الذاتية فينا، وتجني على عظمته الإعجازية وتُحكِّم فيه الجزئيات..

إنَّ القرآن الكريم لا يستعيد مكانته المحورية في نفوسنا، ولا يؤثر فيها التأثير الشامل العميق المتوازن الفعال؛ إلا إذا قرأناه قراءة واعية في ضوء قضاياه السننية الكونية الكلية التي يرسمها للحياة البشرية، وتفاعلنا معها بشكل شامل وعميق ومتوازن وضبطنا حياتنا كلها على ضوء متطلباتها.

خطورة القراءة الطائفية:

إنَّ القراءة الأحادية المؤدلجة لصالح فكر فرد أو طائفة أو جماعة أجَّجت روح الصراع في الأمة، وفرَّقتها شيعًا وأحزابا، ولذا كان من أبرز وأهم الأولويات: التصدي للطائفية والتشرذم والفرقة في واقعنا، وذلك بإعادة قراءة التاريخ والتراث برويَّة وفكر وفقه غير مؤجِّج للطائفية والتأزيم والصراع..

 فالمسلمون كفرق وجماعات يتقدمون وينهضون كلما اتجهوا نحو فكر الأمة؛ حيث يكتسبون القوة والمنعة والعزة والسيادة، وفي المقابل، يتراجع المسلمون كلما اتجهوا نحو فكر الأطر والهويات الضيقة من فرق وجماعات..، وهذا ما عمَّق نزعات القطيعة والانغلاق، وقاد إلى تعثُّر مسيرة الأمة وتخلفها..

لقد تداعت علينا دول الغرب بقوتها الغاشمة، واتفقوا على الأسطورة مع بني إسرائيل – وهم على الباطل-، فالماديون منهم يعلمون أن وعد الله لإبراهيم الذي هو لبني إسرائيل خرافة، والمؤمنون منهم يعلمون أن هذا تِيه، ومع ذلك اتحدوا جميعًا؛ لأنهم رأوا الأسطورة تستطيع أن تجمع شتاتهم، وأن تحركهم لإقامة الباطل على أرض فلسطين..

ألَا يجدر بأمة التوحيد والوحدة -وهي على الحق- أن تعتصم بحبل الله جميعًا؛ وأن تقف صفًا واحدًا؛ لإقامة الحق، ودَحر قُوى الظلم والبغي والعدوان؟!!

وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73].

د. إبراهيم التركاوي

4 فبراير 2024م

Please follow and like us:
د. إبراهيم التركاوي
كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب