أقلام حرة

د. الصادق الغرياني يكتب: الترك كالفعل يا أمة الإسلام!

ما يفعله الصهاينة والأمريكان والأوربيون الذين يتمتعون بخيرات بلادنا من النفط وغيره – أو بالأحرى يَسلبونها – بأهل غزة من تمزيق لحوم الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز، ومن التهجير والإبادة الجماعية للأُسَر والعائلات بكاملها على مدار الساعة، في نومهم ويَقَظتهم، ومن استهداف المستشفيات والمدارس وفِرق الإنقاذ، ومن قطع الماء والكهرباء والوقود، ما يفعله اليهود وحلفاؤهم من ذلك وهم يعلمون يقينا أنهم يُبيدون المدنيين، ولم ينالوا على الرغم من كل ما أحدثوه من دمار على مدى الأيام العشرة الماضية مِن جيش القَسّام والمقاومة بشيء يذكر، هم يعلمون هذا، ويعلمون أن جيش المقاومة لن يسقط، ولن يصلوا إليه من خلال استهداف المدنيين العُزّل، فلم يبق بعد هذا من تفسير لإبادة أهل غزة سوى أنه حرب بخلفية صليبية، تُغذيها كراهيتهم وحقدهم على الإسلام وأهله.

وإلا بماذا يُفسر توارد رؤساء دولهم هذه الأيام الواحد بعد الآخر، وعلى رأسهم الأمريكي، على حكومة العدو الصهيوني للدعم المطلق والمبايعة للإجهاز على حماس وجيش المقاومة، وأمريكا وحدها أعلنت على الدعم بألفي ضابط وعنصر مدرب للمشاركة في حرب غزة.

هل حكام العرب والمسلمين فكروا وهم يملكون أوراقا كثيرة يضغطون بها على العدو، أن يَتلاقوا أو يتواصلوا لإصدار بيان مشترك يُهدد مصالح أمريكا وحلفائها إن لم يتوقف العدوان على غزة، وتهجير أهلها؟!

لِمَ يفعل رؤساء بلاد أعدائهم ذلك وهم لا يفعلون!

ومِن تحالفهم الصليبي على المقاومة، أنهم حين لَم يَقدروا مِن النّيْل منها لجؤوا إلى شيطنة حماس، والتسويق لبلدانهم وشعوبهم عن طريق الإعلام بأنها منظمة إرهابية، وقاعدة، وما إلى ذلك…، ليعزلوها، بحيث لا يستطيع أحد في العالم حتى أن يَنطق باسمها، فضلا عن أن يدعمها.

لذا يتعين عند الخروج إلى المظاهرات في بلاد الغرب أو بلاد المسلمين ألاّ يُرفع إلا شعارُ حماس والمقاومة، لتُعطيها الشعوبُ المشروعيةَ، رَدّا على ما يريده الإعلامُ الغربي من شيطنتها وعزلتها.

وما ذكرتُه من الخَلْفية الصليبية لهذا العدوان هو ما أفصح عنه قادتُهم في أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وآخرُهم وزيرُ الخارجية الأمريكي عند زيارته الأراضي المحتلة هذه الأيام، فإنه لم يَسْتح أن يقول للصهاينة متعاطفا معهم إنه جاء إليهم باعتباره يهوديا قبل أن يكون وزيرا للخارجية، لكن للأسف الحكام الذين قابلهم بعد ذلك في جولته في الخليج ومصر، استحيوا من أن يعبروا عن هُويتهم الإسلامية فيقولوا في الإعلام لجليسهم اليهودي متعاطفين مع أهل ملتهم إنهم مسلمون يناصرون أهل غزة قبل أن يكونوا حكاما، وأنهم يتعاطفون مع من تقتلهم الطائرات الأمريكية من المسلمين في غزة، كان هذا أقل ما يجب عليهم ردا على ما قاله الوزير الذي جلسوا معه.

كيف بهؤلاء الحكام إذا قيل لهم عند المساءلة من طرف أحكم الحاكمين: بَلَغكم قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يُسلِمه).

فماذا فعلتم به؟! ولِمَ أسلمتم إخوانكم في غزة لعدوكم وعدوهم، وخدلتموهم؟!

لا تجدون جوابا!

فيقال لكم: خذلتموهم وواليتم أعداءَكم عليهم، فما لكم اليوم من دون الله من ولي ولا نصير!

ما يُفعل بأهل غزةَ والقدسِ وفلسطينَ هذه الأيام من المجازر ليس شأنا فلسطينيا أو عربيا فقط، بل هو شأنُ كل مسلم يقرأ قول الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).

فكل حكام العرب واحدا واحدا، من المغرب الأقصى وموريتانيا إلى أقصى الخليج.

وكل حكام المسلمين واحدا واحدا، من تركيا إلى أقصى بلد في الشرق الأقصى.

جميعُهم سَيُسْألون عن الدماء والمجازر في غزة التي تقودُ حربَها الصليبيةُ، إذ لم يَفْعل واحدٌ منهم الحدَّ الأدنى الذي يَقْدر عليه، فلو أنّ صحيفةً في تلك البلاد عَرّضَتْ بشتم واحد منهم أو بأحد حاشيته، فإنه على الفور يَسْتدعي سفيرَه، وتحتج خارجيتُه عَلَنا!

لَمْ يَفعلوا من ذلك شيئا، فضلا عن أن يُلَوّحوا بالنفط وبقطع العلاقات أو التجارات   الدولية!

لو فعلوا شيئا من ذلك لحقنوا دماء المسلمين التي تجري أنهارا، ولتغيرت الأحوال.

والقاعدة التي يذكرها أهل العلم في هذا الباب؛ (أن الترك كالفعل).

فَمَن رأى مَن يَشرع في قتل أحد، ولَمْ يَبْذل وُسعه في مَنْعه، وتَخَلّى عما يقدر عليه، يكون بتخليه شريكا في قتله، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ الله وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ…)، أي بمنعه عَرّضَه للموت.

قالوا: بترك ما يَقْدر عليه مِنْ حِفظ حياته بِسَقي الماءِ عَرّضَه للتلف، فَكَأنه قَتَلَه!

قال القاضي عياض: هو في تعريضه يُشبه قاتِلَه.

فالتركُ كالفعل يا حُكام المسلمين!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني؛ مفتي ليبيا، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

د. الصادق الغرياني

عالم وأستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى