سئلت: هل صيد بني إسرائيل السمك يوم السبت وقد نهوا عنه جريمة تستحق أن يمسخوا قردة أليست هذه عقوبة بالغة على معصية قليلة الخطر والفساد لا تقارن بقتل الأنبياء وعبادة العجل وإشاعة المنكر؟
فقلت: هذا نظر للمسألة من آخرها، وفهمها من أولها يزيل الإشكال
– فقد أُمر بنو إسرائيل أن يتخذوا يوم الجمعة عيدا فتمردوا وامتنعوا وأبوا إلا يوم السبت زعما منهم أن الله بدأ خلق السموات والأرض يوم الأحد وفرغ منها يوم الجمعة واستراح – تعالى عن ذلك- يوم السبت ومن ثم فالسبت هو الأولى بالتعظيم من وجهة نظرهم!
فجعل الله «يوم السبت» عقوبة لهم: «إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه» جعل السبت عليهم وليس لهم!
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «…ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله،…» وفي رواية لمسلم: (فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له قال: يوم الجمعة).
– فرض الله عليهم ما اختاروه لأنفسهم فشدد عليهم في تفاصيل الأحكام عقوبة لهم على مماراتهم ولؤمهم فحرم عليهم العمل أو الكسب في يوم السبت كله وفرض عليهم التفرغ للعبادة سائر اليوم!
– ثم جعل تعظيم السبت من أركان الديانة اليهودية ومن الأحكام الكبرى التي قامت عليها ومن وصايا موسى العشر، وجعله الله من المواثيق الغليظة التي أخذها وشددها على بني إسرائيل: «وقلنا لهم لا تعدو في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا» وتوعدهم الله بالعقاب الأليم والأخذ الشديد إن هم اعتدوا بالسبت.
– ثم جاءت فتنة القرية التي كانت حاضرة البحر بخروج أسراب السمك أمام أعينهم يوم السبت وانقطاعها عنهم فيما سواه ليكون ذلك اختبارا عظيما فانتهى بهم الأمر إلى الوقوع في العدوان إلا قليلا منهم فأنزل الله عليهم العذاب الذي أنذرهم من قبل.
فالمسألة لم تكن مجرد مخالفة محدودة لبعض أحكام الصيد لكنها منازعة لله في الأمر ابتداء ثم احتيال والتفاف على الأمر انتهاء
المشكلة في حقيقتها لم تكن صيدا ولا سمكا بل كانت في تصورهم عن الله وطريقة تعاملهم مع أوامره وغياب مفهوم العبودية والامتثال ونقضهم ميثاقهم معه جل وعلا. والله أعلم.