مقالات

د. حاكم المطيري يكتب: دستور دولة الصديق

الخلافة الراشدة هي امتداد لدولة الإسلام التي أقامها النبي ﷺ في المدينة وفق أصول الخطاب القرآني السياسي -وهو نص مكتوب كجزء من القرآن- ابتداء من البيعة الثانية في العقبة قبيل الهجرة إليها، ثم كتابة صحيفة المدينة ودستورها بعيد دخولها، ثم السنن والسيرة النبوية التطبيقية لهذا الخطاب السياسي التي ترسخت فيها خلال إدارته ﷺ شئونها مدة عشر سنوات، حتى عمت دولة الإسلام جزيرة العرب كلها عند وفاته ﷺ، فتأسس وتجلى بذلك كله النظام السياسي لهذه الدولة سواء على مستوى النظرية أو التنظيم أو الممارسة، فجاءت بعدها الخلافة الراشدة امتدادا لها وتعبيرا عنها كممارسة بشرية محضة، فلم تحتج إلى دستور جديد ولا نظام سياسي جديد،

وإنما تطورت بعد الفتوحات تنظيما إداريا وماليا وعمرانيا لاتساع رقعتها، ووضع عمر الدواوين التي استفاد نظامها من فارس والروم، وكذا الخلافة العامة بعد الخلافة الراشدة، هي امتداد لهذه الدولة فيما حافظت عليه من أصول سياسية كوحدة الأمة والدولة، والالتزام بالمرجعية التشريعية والدستورية التي عبرت عنها كتب الأحكام السلطانية، وإقامة الأحكام، والجهاد في سبيل دعوة الإسلام، مع ما وقع في الممارسات من محدثات وتراجعات، إلا أنها امتداد لدولة الإسلام ذاتها ليست غيرها، ولا نقيضا لها، ولهذا ظلت تتمتع بالشرعية الشعبية العامة لدى عموم الأمة لهذا السبب، فاستقرار نظام الخلافة الإسلامي مدة ١٣٠٠ عام هو نتيجة طبيعية لتمثيله لتلك الدولة وتعبيره عن نظامها السياسي على اختلاف مستويات هذا التعبير قوة وضعفا.

 وإذا كانت بريطانيا حتى اليوم ليس لديها دستور مكتوب بل أعراف دستورية موروثة؛ فقد كانت قدم دولة الإسلام وخلافته أكثر رسوخا في باب النظام السياسي ووضوحه من الأعراف الدستورية البريطانية، كما عبرت عنه كتب الأحكام السلطانية التي تمثل آنذاك الدستور الذي يحدد طبيعة الدولة في الإسلام ورسالتها، ويحدد صلاحيات السلطة -بكل أقسامها: السلطة التنفيذية وهي الإمامة والوزارة والسلطنة، والسلطة الرقابية وهم أهل الشورى والحل والعقد، والسلطة القضائية- وطرق توليها، وعزلها، ومسئولياتها، وكيفية إدارتها لشئون الدولة والأمة.

د. حاكم المطيري

الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى