السبت أكتوبر 5, 2024
مقالات

د. حاكم المطيري يكتب: كيف يُقرأ تراث ابن تيمية!

أحيانا نجد تكرارا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأمر قرره في أول الفقرة، ونجده مرة أخرى في آخر الفقرة نفسها (مثلا في جامع المسائل) ما تفسيركم؟

– السبب في ذلك يعود إلى أن أكثر هذه الرسائل في الأصل ليست كتابا لشيخ الإسلام ابن تيمية، بل فتاوى مجموعة، وبعضها أسئلة مكررة أجاب عنها مرارا، فضم جامعو الرسائل بعضها إلى بعض، فوقع فيها التكرار.

‏أما في كتبه فهو مشهور بالاستطراد، وطول نفسه في تقصي أطراف المسألة، فربما أحتاج إلى تكرار ما سبق بيانه في أول المسألة لطول الفاصل.

‏والأهم من ذلك هو التحقق عند قراءة رسائله المجموعة من:

‏الأول: أنها صحيحة النسبة له، وهذا يعرف من أسلوبه، ولا يخفى مثل ذلك على من له عناية بكتبه، فلكل كاتب -فضلا عن عالم- بصمة كتابية يعرف بها، وهناك رسائل وهي قليلة لا يصح نسبتها له، كرسالة التفضيل بين الملائكة وبني آدم، في مجموع الفتاوى ٤/ ٣٥٠ – ٣٩٢ كما سبق بيانه، ورسالة في حياة الخضر ٤/ ٣٣٨ – ٣٤٠، ورسالة في تفسير {يسألونك عن الشهر الحرام} ١٤/ ٨٨، وقد اجتهد الشيخ ناصر الفهد في بيان ذلك، في كتابه (صيانة مجموع الفتاوى عن السقط والتصحيف).

‏الثاني: التحقق من ضبط النص، خاصة في غير المحقق من مجموع الفتاوى تحقيقا علميا، فما تزال كثير من كتبه ورسائله في حاجة للضبط، وفيها خلل في بعض عباراتها بسبب السقط، لا يتنبه له كثير ممن ينقل منها.

‏الثالث: معرفة كتبه ورسائله التي كتبها في الطور الثالث من أطواره العلمية، والتي تعبر عن آرائه الأخيرة كمجتهد مطلق، إذ له كتب ورسائل ألفها في أول أمره، وبداية عمره، من سن ٢٠ إلى ٣٠ تقريبا، وكان آنذاك فقيها حنبليا صوفيا، وقد شرع في التأليف وكتابة الرسائل وتصدر للفتوى والتدريس في هذه المرحلة، ثم صار مجتهدا في المذهب منذ سن ٣٠ إلى ٤٠ تقريبا، ثم مجتهدا مطلقا من بعد سن ٤٠ إلى وفاته وله ٦٧ سنة، خالف في بعض فتاويه فيها حتى المذاهب الأربعة، وله في كل طور أسلوب يختلف عن الأطوار الأخرى، في طريقة الاستدلال، كما بينت ذلك في كتابي (ابن تيمية ومعركة الحرية).

‏وقد قام قبل وفاته بنحو ثمان سنين بتحرير رسائله.

‏ولهذا لا يصح الاحتجاج بأقواله القديمة في الطور الأول والثاني لرد أقواله التي تمثل آخر اجتهاداته وآرائه.

‏وقد قال عن نفسه رحمه الله كما في مجموع الفتاوى١٠/ ٤١٨: (وكنت في أوائل عمري حضرت مع جماعة من أهل الزهد والعبادة والإرادة، فكانوا من خيار أهل هذه الطبقة.

فبتنا بمكان وأرادوا أن يقيموا سماعا، وأن أحضر معهم فامتنعت من ذلك، فجعلوا لي مكانا منفردا قعدت فيه، فلما سمعوا وحصل الوجد والحال، صار الشيخ الكبير يهتف بي في حال وجده ويقول:

يا فلان قد جاءك نصيب عظيم تعال خذ نصيبك! فقلت في نفسي ثم أظهرته لهم لما اجتمعنا: أنتم في حل من هذا النصيب، فكل نصيب لا يأتي عن طريق محمد بن عبد الله ﷺ فإني لا آكل منه شيئا).

‏وقال في رسالته إلى القاضي أبي الفتح نصر بن سليمان المنبجي ٢/ ٤٦٤: (وهؤلاء موهوا على السالكين: التوحيد – الذي أنزل الله تعالى به الكتب وبعث به الرسل – بالاتحاد الذي سموه توحيدا وحقيقته تعطيل الصانع وجحود الخالق.

وإنما كنت قديما ممن يحسن الظن بابن عربي ويعظمه: لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من «الفتوحات» و«الكنة» و«المحكم المربوط» و«الدرة الفاخرة» و«مطالع النجوم» ونحو ذلك.

ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده، ولم نطالع «الفصوص» ونحوه، وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه، ونكشف حقيقة الطريق، فلما تبين الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا.

فلما قدم من المشرق مشايخ معتبرون وسألوا عن حقيقة الطريقة الإسلامية والدين الإسلامي وحقيقة حال هؤلاء: وجب البيان.

وكذلك كتب إلينا من أطراف الشام: رجال سالكون أهل صدق وطلب أن أذكر النكت الجامعة لحقيقية مقصودهم).

Please follow and like us:
د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب