د. حاكم المطيري يكتب: مقام الهجرة.. وحسن العاقبة!
الهجرة في سبيل الله من أشرف مقامات الدين، وأجل سنن المرسلين، ولهذا كان أول المهاجرين هو أبو الأنبياء وقدوتهم إبراهيم حين خرج من أرضه فرارا إلى ربه بدينه ﴿وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم﴾ [العنكبوت: ٢٦]
واختار الله لنبيه محمد ﷺ مقام الهجرة على خُطى أبيه إبراهيم، فكان إمام المهاجرين، وسيد المجاهدين، حتى قال ﷺ: (لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار)، وكان يدعو (اللهم أمض لأصحابي هجرتهم) للشرف والأجر العظيم الذي كتبه الله للمهاجرين في سبيله..
وقد جعل الله في الهجرة فرجا للمستضعفين، ومراغمة للظالمين، كما قال تعالى: ﴿ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما﴾ [النساء: ١٠٠]
وقد وعد الله المهاجرين بالحسنتين: في الدنيا بالعيش الكريم، وفي الآخرة بجنات النعيم، فقال تعالى: ﴿والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون﴾ [النحل: ٤١]
فلا ينبغي لمن كتب الله له الهجرة، ويسرها له، واصطفاه بها، أن يحبطها بالأسى على ما فات، بل يسأل الله أن يمضي له هجرته، ويكتب أجره، فإن توفاه في مهجره، فيرضى بقضاء الله وقدره، فالأرض كلها لله، ووطن المؤمن حيث يأمن ألا يفتنه ظالم في دينه، ولا يمنعه من الجهاد في سبيله.
ولا يضيع الله عمل المهاجرين بل يعوضهم خيرا مما فاتهم ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد﴾ [آل عمران: ١٩٥-١٩٧]
ولهذا أمر الله المهاجرين في سبيله بعد هذه الآيات بالصبر والمصابرة والمرابطة حتى يفتح الله عليهم، ويحقق لهم نصرهم، وما وعدهم ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾ [آل عمران: ٢٠٠]