الأحد يوليو 7, 2024
بحوث ودراسات

د. حسام الدين عفانة يكتب: أثرُ نشرِ «الديانة الإبراهيمية» على المسجدِ الأقصى

أثرُ نشرِ «الديانة الإبراهيمية» على المسجدِ الأقصى «رؤيةٌ شرعيةٌ لقضايا معاصرةٍ»

نشهدُ في هذه الأيام بعضَ الأعيادِ اليهوديةِ، كعيد الغفران (كيبور)، وعيد العرش أو المظلات (سوكوت)، وفي ظلِ هذه الأعيادِ نرى ازديادَ الهجمةِ الشرسةِ من المستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وهذه الانتهاكاتُ اليهوديةُ للمسجد الأقصى المبارك، تقومُ على رواياتٍ مكذوبةٍ لا أصلَ لها، ويربطونها بحسب أكاذيبهم وتقاليدهم بالهيكل المزعوم، ويحاولُ المستوطنون تكريسَ فكرةِ أن المسجد الأقصى مركزُ العبادةِ التوراتية بتقديمٍ فعليٍ للقرابين النباتية، وغيرها من مظاهر الأعياد.

وفي هذه الأعيادُ اليهوديةُ تنشطُ «منظمات الهيكل» مثل منظمات «نساء لأجل الهيكل»، و«طلاب لأجل الهيكل»، و«برنامج هليبا التوراتي» و«اتحاد منظمات الهيكل» بدعوةِ المستوطنين الصهاينة إلى المشاركةِ الواسعةِ في اقتحاماتٍ مكثفةٍ ومستمرةٍ للمسجد الأقصى المبارك، بذريعةِ إقامةِ طقوسٍ وشعائرَ تلموديةٍ في المسجد الأقصى للاحتفال بعيد العرش.

وكذلك فإن الحكومةَ الإسرائيلية تستغلُ فترةَ الأعيادِ اليهودية من الناحية السياسية، للاستمرارِ في مشروعها التهويدي الممنهج للمسجد الأقصى المبارك والقدس.

وإن مما أسهمَ بشكلٍ واضحٍ في زيادةِ اقتحاماتِ المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى المبارك، اتفاقياتُ التطبيعِ الإماراتية والبحرينية مع دولة يهود، المسماة بـ«الاتفاق الإبراهيمي»، وتأتي خطورتُها على المسجد الأقصى المبارك من فقرةٍ وردت في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين، وتنصُّ الفقرةُ على أن كل المسلمين الذين يأتون بسلام، يمكنهم زيارةُ المسجد الأقصى والصلاة فيه.

وأما الأماكنُ المقدسةُ الأخرى، فيجبُ أن تبقى مفتوحةً لصلاة المؤمنين من الديانات كافة. وقد ذُكر هذا البندُ الخطيرُ في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، كما ورد من عدة مصادر منها تقرير لمنظمة «القدس الدنيوية» الإسرائيلية غير الحكومية «Terrestrial Jerusalem» فإن هذا البند يتضمنُ «تغييراً جذرياً في الوضعِ الراهنِ للحرمِ المقدسي، وله تداعياتٌ خطيرةٌ بعيدةُ المدى وقابلةٌ للانفجار».

ومنها ما ورد في البيان المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة يوم توقيع اتفاقية التطبيع، الصادر عن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكما ورد في رؤيته للسلام، «يمكن لجميع المسلمين أن يأتوا بسلامٍ لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه. ويجبُ أن تظل الأماكنُ المقدسةُ الأخرى في القدس مفتوحةً للمصلين المسالمين من جميع الأديان».

إن الذين صاغوا الاتفاقيتين من الوفدين الإسرائيلي والأمريكي، الذي ضم عدداً من المتصهينين ما وضعوا هذه المصطلحات بشكلٍ عشوائيٍ، وإنما بشكلٍ مقصودٍ له أهدافهُ المعروفة.

وأما العربانُ الذين وقعوا الاتفاقيتين، فلا أظنُ أنهم قرأوا ما وقعوا عليه، ولو فرضنا أنهم قرأوا فما فهموا ماذا تعني تلك المصطلحات!؟

فقد تمَّ استخدامُ مصطلح «المسجد الأقصى» للإشارة إلى المصلى القبلي فقط، والإشارة إلى بقية المكان باسم «جبل المعبد» عند الحديث عنه كمقدسٍ يهودي، وبعبارة «الحرم الشريف» عند الإشارة إلى المسجد بكامل مساحته.

وقد نقلت قناةُ الجزيرة عن مسئول مطلعٍ أنه «ليس لديه شكٌّ في أن اللغةَ في البيان الإسرائيلي الإماراتي تمت كتابتها بخبثٍ مدبرٍ من الجانب الإسرائيلي، دون فهمٍ واضحٍ من الإمارات، ومع تواطؤِ فريقٍ أميركي جاهل».

واتفاقا التطبيع هذان يؤكدان على ما ورد في صفقة القرن من أن »الشعوب من كل الأديان يجب أن يتمَّ السماحُ لهم بالصلاة على جبل الهيكل/الحرم الشريف».

إن ورود هذا البند الخطير في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، يعني أن وضع هذا النصِّ في اتفاقيتي التطبيع يقرُّ بإيجاد فارقٍ بين المسجد الأقصى المبارك، وهو ما نسميه المسجد القبلي، وبين باقي ما أحاطَ به سورُ المسجد الأقصى المبارك، ومساحته 144 دونماً، ويشملُ ذلك كل ساحاته ومرافقه وقبابه، ومسجد قبة الصخرة، وجدرانه الداخلية والخارجية، بما فيها حائط البراق، ويشملُ أيضاً ما كان تحت أرض المسجد وما كان فوقها.

وهذه الفقرةُ قصرت المسجد الأقصى المبارك على أربعةِ دونماتٍ فقط، وأخرجت 140 دونماً، أي أخرجت 93% مما أحاط به سورُ المسجد الأقصى المبارك، بساحاته ومرافقه وقبابه، ومسجد قبة الصخرة، وجدرانه الداخلية والخارجية، وجعلتها مرافقَ عامةِ وساحاتٍ مشتركةٍ، وهي نظرةُ الاحتلال، فاتفاقيتا التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود تمنحُ اليهودَ حقَّ الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وهذا يعني إعطاءَ مشروعيةٍ مخالفةٍ لديننا وللقانون الدولي لمحتلٍ مغتصبٍ لأولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين. إن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، تنطوي على تغييرٍ مهمٍ في وضعيةِ المسجدِ الأقصى المبارك لمصلحةِ يهود.

وإن ورودَ هذا البندِ الخطيرِ في اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، يعني أن المسجد الأقصى المبارك بمساحته البالغة 144 دونماً ليس تحت سيادة المسلمين، ويعني أيضاً أن قبولَ الإمارات والبحرين لهذا البند الخطير، أنهما وافقتا على سيادة دولة يهود على المسجد الأقصى المبارك!؟

إن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، تعني موافقتهما على أطماع يهود في المسجد الأقصى المبارك، وسيؤدي ذلك إلى إقرارهما بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك.

وإن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، قد أعطتهم صكَّاً عربياً مسلماً لمشروعية أداءِ الطقوسِ والعباداتِ اليهودية في المسجد الأقصى المبارك.

كما أن اتفاقيتي التطبيع بين الإمارات والبحرين مع دولة يهود، تعني قبولَ الإماراتِ والبحرين للرؤيةِ اليهودية للمسجد الأقصى المبارك، التي تنصُّ على أن المسجدَ الأقصى هو مبنىً صغيرٌ موجودٌ في جنوب «جبل المعبد»، وأن قبةَ الصخرةِ ليست مسجداً، ولكنها أثرٌ إسلاميٌ يقعُ في قلب «جبل المعبد»، بينما تعتبر بقية الساحات والمواقع شيئاً آخر غير المسجد الأقصى، واسمه الإسلامي «الحرم الشريف»، والذي يوازي في الرؤية الإسرائيلية «جبل المعبد».

ومن المعلوم أن ما يسمى «الديانة الإبراهيمية» كانت من مقدمات التطبيع مع دولة الاحتلال، وهذا «الدِّين الإبراهيمي العالمي» المنسوب إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما يقول أحدُ دُعاة «الديانة الإبراهيمية» وهو الشيخ عبد الله بن بيه: «على أننا نحنُ جميعًا المسلمين واليهود والنصارى أبناء العائلة الإبراهيمية، وأنَّ الديانةَ الإبراهيميةَ هي التي نَتشاركُ فيها».

ومن هذا يتبيَّنُ لنا أنَّ هذا الدِّينَ المزعومَ يقومُ على تبني المشتركِ من القيمِ في الدياناتِ الإبراهيميةِ الثلاث -الإسلام واليهودية والنصرانية- وصياغتها وتوثيقها كمرجعيةٍ تُلغي ما سواها، ويكونُ لها القدسيةُ والاحتكامُ، وحيث إنَّ الإسلامَ يعترفُ ببعضِ ما جاء في اليهودية والنصرانية، وكذلك حالُ النصرانيةِ مع اليهودية، بينما اليهوديةُ لا تعترفُ بالإسلام ولا بالنصرانية، فسيكونُ المشتركُ الفعلي هو بعضُ ما لدى اليهودية، فهذا المشروعُ يهدفُ بامتيازٍ إلى نشرِ الثقافةِ اليهوديةِ ورسمِ المعاييرِ والقيمِ بناءً عليها كمشتركٍ إبراهيمي كما زعموا.

وحقيقةُ ما يُسمَّى «الدِّيانَةُ الإبراهيمِيَّةُ» هو:

الخلطُ بين دينِ التوحيد دينِ الإسلام الحقِّ، الذي تكفَّلَ اللهُ بحفظه، وبين اليهوديةِ والنصرانيةِ المحرَّفتين، وما فيهما من كفرياتٍ وضلالاتٍ، بزعم أنَّها كلُّها تنتسبُ إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، نظرًا لرمزيته في الشرائع السماوية الثلاثة، وهي دعوةٌ سابقةٌ قديمةٌ، فقد أطلقها بعضُ اليهود والنصارى، إنَّهم يريدون أن يتنازل المسلمون عن أحقِّيةِ عقيدتهم الصحيحة، بأنْ يقبلوا -على الأقل- اعتبارَ أديان اليهود والنصارى أديانَ حقٍّ ونجاةٍ في الآخرة. ولقد كان الجوابُ واضحًا صريحًا في القرآن الكريم:

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

سورة البقرة الآية 135.

إن أساسَ فكرةِ الدِّين الإبراهيمي يقومُ على المشتركِ بين عقيدة الإسلام وغيره من العقائد، وهي فكرةٌ باطلةٌ؛ إذ أن الإسلامُ إنما يقومُ على التوحيد والوحدانية، وإفرادُ الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائعُ المحرَّفةُ قد دخلها الشركُ، وخالطتها الوثنيةُ، والتوحيدُ والشركُ ضدان لا يجتمعان. إن الزعمَ بأن إبراهيم عليه السلام على دينٍ جامعٍ للإسلام واليهودية والنصرانية، زعمٌ باطلٌ، ومعتقدٌ فاسدٌ، قال سبحانه وتعالى:

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

 سورة آل عمران الآية 67.

وينبغي أن يكون معلومَاً أنَّ وراءَ نشأة «الدِّيانَة الإبراهيمِيَّة» مراكزُ بحثيةٌ ضخمةٌ وغامضةٌ، انتشرت مؤخراً في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم «مراكز الدبلوماسية الروحية»، ويعملُ على تمويل تلك المراكز أكبرُ وأهمُ الجهاتِ العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية.

وسبق أن ظهرت «الدِّيانَة الإبراهيمِيَّة» في الأفق السياسي عام 1990م لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وبدأت تتشكلُ فكرتُها في أروقة السياسة الدولية، من خلال عددٍ من المؤسسات البحثية، على رأسها لجنة الإبراهيمية في جامعة «هارفرد» كبرى الجامعات العالمية، والمرتبطة مع مراكز القرار السياسي في العالم كالخارجية الأميركية والبنك وصندوق النقد الدوليين، إضافةً إلى عددٍ من المؤسسات العالمية، كمعهد الحرب والسلام وجامعة «فلوريدا» وغيرها لتقديم الفكرةِ بكل تفاصيلها خدمةً للمشروع الاستعماري في المنطقة. 

وينبغي أن يكون معلومَاً أيضاً أنَّ الدعوة إلى «الدِّيانَة الإبراهيمِيَّة» ليست دعوةً دينيةً، بل دعوةٌ سياسيةٌ، وهي دعوةٌ ضالةٌ، خبيثةٌ ماكرةٌ، لها عِدَّةُ أبعادٍ وأهدافٍ دينيةٍ وسياسيَّة، وفكريَّةٍ وعقديَّة، حيث جاء طرحُها وعرضُها ضمنَ منهجيةٍ خبيثةٍ ومفاهيم جديدةٍ، بهدفِ إعادةِ قراءةِ النصِّ الديني، ونزعِ قدسيَّتهِ من النفوس، بما يوافقُ رغباتِهم ونزعاتِهم وأهوائهم الخبيثةِ الباطلةِ، وهي بحدِّ ذاتها سلخٌ للأمة عن دينها وعقيدتها وفطرتها السليمة الصحيحة. فالدعوةُ للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ كفرٌ صراحٌ، ومروقٌ من الدِّين، وبدعةٌ كفريةٌ خطيرةٌ، مصدرُها مراكزُ بحثيةٍ ضخمةٍ وغامضةٍ.

وهذا المشروعُ السياسيُ تقفُ خلفهُ وتدعمُهُ بقوةٍ دولةُ الإمارات العربية بكافة الوسائل، سواءٌ بالمالِ أو من خلال علماء ومشايخ مشهورين وغيرهم من المثقفين، لصناعةِ حالةٍ مختصةٍ بديانةِ خاصةٍ وفقَ تعليماتِ جهاتٍ دوليةٍ معينةٍ، لتحقيقِ أهدافٍ خطيرةٍ على دين الإسلامِ وعلى المسلمين، ومنها: أولاً: تستهدفُ طمسَ معالمِ الدِّين الإسلامي الحقِّ، ومحاربةَ أحكام الشريعة الإسلامية، وإبدالَ دين الله الحقِّ بدينٍ جديدٍ مصنوعٍ من أهوائهم وأفكارهم وثقافتهم الباطلة.

قال الله تعالى:

{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

سورة البقرة الآية 217.

وهنالك علاقةٌ وثيقةٌ بين «الديانة الإبراهيمية» وبين اتفاقياتِ التطبيعِ والمطبعين من العربان، حيث سُمِّيَ اتفاقُ التطبيعِ بين الإماراتِ ودولةِ يهود بالاتفاق الإبراهيمي «أبراهام» الذي وقع يوم 13/8/2020م، حيث أعلن الرئيسُ الأمريكي السابق «ترامب» أن اتفاقَ السلامِ بين إسرائيل والإمارات سيتمُ تسميتهُ «الاتفاق الإبراهيمي».

ووضح السفيرُ الأمريكي لدى دولة يهود «ديفيد فريدمان» الأسبابَ التي تكمنُ خلفَ تسميةِ الاتفاقِ «بـالاتفاقِ الإبراهيمي» بأنه جاء تيمناً بسيدنا إبراهيم أبو الديانات الكبيرة كلِّها، حيث قال «فريدمان»: «إن إبراهيم هو أبو الديانات الثلاث، فهو يمثلُ القدرةَ على التوحيدِ بين الدياناتِ العظيمةِ الثلاث».

كما أن دولةَ يهود تُطلقُ على هذه المُعاهدة اسمَ «اتفاق إبراهيم« أو «اتفاقيات أبراهام» وبالعبرية: (הסכם אברהם) نسبةً إلى النبي إبراهيم عليه السلام، باعتبارهِ شخصيةً محوريةً في الأديان السماوية الثلاث، الرئيسية في العالم، وهي الإسلامُ والنصرانية واليهودية.

وقد ورد النصُّ على ذلك في البندِ السادس من الاتفاق المذكور: [التفاهم المتبادل والتعايش: يتعهد الطرفان بتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام والتعايش وثقافة السلام بين مجتمعيهما بروح سلفهم المشترك إبراهيم].

تقول الباحثة المصرية الدكتورة هبة جمال الدين:

[إن استخدام الإبراهيمية وفقاً لجامعةِ «هارفارد» جاء ليكون مدخلاً لقَبولِ التطبيعِ، الذي فشلت فيه إسرائيلُ منذُ إعلانِ وجودها عام 1948م، فالمصطلحُ لم يكن استهلاكاً لفظياً بابوياً؛ بل إنه هويةٌ سياسيةٌ جديدةٌ للدبلوماسية الأميركيةِ والإسرائيليةِ في المنطقة، روَّج لها وزيرُ الخارجية الأميركي الأسبق «جون كيري» عام 2013م، وهي تأصيلٌ سياسيٌ له امتدادٌ جغرافيٌ ودينيٌ وتاريخيٌ قاعدتهُ الأساسيةُ هي: «خريطةُ أرضِ إسرائيل الكبرى».

وتعتبرُ مدخلاً للدبلوماسيةِ الروحيةِ، التي تقومُ على الجمعِ بين رجالِ الدِّين والدبلوماسيين والساسةِ للتفاوضِ من الكتب المقدسة، والوصولُ إلى المشترك الديني لوضعه على الخريطةِ السياسيةِ لإعطاءِ الحقِّ للشعوبِ الأصليةِ.]

إن الدَّعوة للدِّيانَةِ الإبرَاهِيميَّةِ لها هدفٌ سياسيٌ يسعى إليه العدوُ اليهودي المُحتلُ الغاصبُ، وهو ترسيخُ حقِّهِ المزعومِ الموهومِ، فهي إذن تُشكِّلُ خطراً واضحاً على مجملِ قضايا الأمَّةِ الإسلامية، وعلى رأسِها القضيةُ الفلسطينية، وخاصةً المسجد الأقصى المبارك، حيثُ يتطَّلعُ العدوُ الصهيوني إلى هدمِه وبناءِ هيكلهم المزعوم على أنقاضه. وقد تجلَّى ذلك من خطورةِ ما أصدره القائمون على هذا المشروع في وثيقةِ «مسار إبراهيم»، والذي يهدفُ إلى إعادةِ رسمِ خارطةِ الشرقِ الأوسط، بما يتماهى مع خارطةِ ما يسمَّى (إسرائيل الكبرى)، وهي تنصُّ صراحةً على أنَّ أراضي الدولِ التي يُسجلها هذا المسار ليست ملكًا لسكَّانِها الفلسطينيين أصحاب الحقِّ الأصلي، بل ملكٌ لأتباعِ النَّبيِ إبراهيم الذي ملَّكه الرَّبَ تعالى أرضَ فلسطين بوعدٍ إلهيٍ مقدس، كما يزعمون، ومعلومٌ أنَّ يهودَ اليوم يزعمون أنَّهم الأبناءُ الحقيقيون لنبيِ الله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، وبذا يتيحُ الدينُ المنسوبُ إليه زورًا وبهتانًا (الديانة الإبراهيمية) فرصةً ليهود اليوم بالاندماج في المنطقة، ومن ثمَّ المطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المُدَّعاة في أيِ مكانٍ وطئتهُ أقدامُهم، حسب تصورهم التوراتي.]

بحث «خطورة الدعوة إلى الدِّيانَةُ الإبراهيمِيَّةُ وحكمها شرعًا» أ.د. صالح الرقب

وتحاولُ دولةُ يهود من خلال توظيفِ مفهومِ «الديانة الإبراهيمية»، إيجادَ مدخلٍ لترسيخِ الحقِّ اليهودي بالأراضي العربية الفلسطينية، وبالذات في القدس والمسجد الأقصى المبارك، وإبعادِ أتباعِ الديانات الأخرى عن مناصرةِ حقوقِ الشعبِ الفلسطيني.

إن واجبَ الأمة الإسلامية تُجاه نُصرةِ المسجد الأقصى المبارك، لا يسقطُ على الرغم من تعطيلِ الجهاد، وعلى الرغم من تطبيعِ المطبعين، وإقامةِ العلاقات مع كيان يهود في مختلف المجالات، حتى لو طبعت كلُّ الدول العربية وغيرها، وحتى لو أفتى مشايخُ السلطان بفتاويهم الزائفة بإباحةِ التطبيعِ وتبريرهِ للطغاة، فإن كلَّ ذلك لا يُغير الحقائقَ الثابتةَ بأن احتلالَ أرضِ فلسطين من النهر إلى البحر، باطلٌ في كل الشرائع وفي كل قوانين الدنيا، وأن الحقوقَ لا تسقطُ بالتقادم، وأن الاحتلالَ إلى زوالٍ إن شاء الله تعالى، وإن في التاريخِ لعبرةٌ، فقد احتلَ الصليبيون بيتَ المقدس وأكنافهِ زهاء قرنٍ من الزمان، واحتلَ الاستعمارُ الفرنسي الجزائرَ أكثرَ من قرنٍ، وكانت النهايةُ زوالَ الاحتلال.إن تطبيعَ المطبعين وتآمرَ المتآمرين وخياناتهم، لن تُضعفَ عزيمةَ الأمة المسلمة، ولن تطمسَ الحقائقَ الناصعة وإن طال الزمانُ.

وإن التطبيعَ الذي يتكالبُ عليه العربان ليشكلُ طعنةً غادرةً في ظهر أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.وإن التطبيع الذي يمارسه أولئك ما هو إلا إقرارٌ وتسليمٌ بضياعِ كلِّ فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك خاصةً، وإقرارٌ واعترافٌ بكل ما أحدثه المحتلون من تدميرٍ وتخريبٍ لقرى ومدن فلسطين، وبناءٍ للمستوطنات وتهجيرٍ لأهل فلسطين، واستسلامٍ ورضاً بأفعال المحتلين، وإقرارٍ لباطلهم.وإن الشعوبَ العربية والمسلمة كلها تقفُ مع المسجد الأقصى المبارك، وأهل بيت المقدس وأكنافه، وترفضُ التطبيع بكافةِ أشكاله، ولا ترضخُ لتطبيعِ المطبعين ولا تقبلُ بخيانةِ الخائنين. وإن المسجدَ الأقصى المبارك خاصةً، وفلسطين عامةً تتقيأُ المطبعين وترميهم في مزابلِ التاريخ غير مأسوفٍ عليهم، والتاريخُ خيرُ الشاهدين!

وختاماً فهنيئاً لأهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس على رباطهم وثباتهم، والعزٌّ والفخار لهم، حيث إنهم ينوبون عن الأمة المسلمة بأكملها في حراسةِ المسجدِ الأقصى المبارك والمحافظة عليه.

 والخزيُ والعارُ والشنارُ لمن خذلهم وتآمر عليهم، ودعا إلى التخلي عن المسجد الأقصى المبارك، والويل لمن فرَّط وضيَّع حقوقَ المسلمين في هذه الديار المباركة، ولمن تعاون مع أعداء الإسلام، وطبَّع العلاقات مع يهود، وخذل المسجد الأقصى المبارك وأهله.

وأقرَّ واعترف باحتلال القدس والمسجد الأقصى وباقي فلسطين. وأقام العلاقات الطبيعية معهم.

وصدق رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عندما قَالَ:

(لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ -شدة وضيق معيشة- حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس).

والله الهادي إلى سواء السبيل

Please follow and like us:
د. حسام الدين عفانة
فقيه ومفتي وكاتب فلسطيني، وأستاذ الفقه والأصول في جامعة القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب