الأحد يوليو 7, 2024
بحوث ودراسات

د. حسام الدين عفانة يكتب: إصرار السويد على السماحِ بحرق المصحف

تكرر سماحُ الحكومةِ السويدية لحرقِ المصحفِ عدة مراتٍ بحجةِ حريةِ التعبير عن الرأي كما زعموا! فقد أصدرت محكمةٌ سويدية قراراً يقضي بإلغاء حظرِ حرقِ المصحف الشريف خلال المظاهرات العامة، بعد أن كانت الشرطةُ السويديةُ قد اعترضت على قيامِ متظاهرين بحرقِ نسخةٍ من المصحفِ الشريف أثناء مظاهرات في العاصمة ستوكهولم. وصار حرقُ المصحف الشريف يجري تحت حمايةِ الشرطةِ السويدية وتواطؤٍ واضحٍ منها.

وقد أصبح حرقُ نسخٍ من المصحفِ على أيدي عُبَّادِ الصليبِ مظهراً من مظاهر ما يسمَّى “إسلام فوبيا” في الغرب، وكذلك صار تدنيسُ المساجدِ وتمزيقُ وحرقُ نسخٍ من المصحف، من أساليب المستوطنين التلموديين في محاربةِ الشعب الفلسطيني كما حصل مؤخراً في قرية عوريف جنوبي نابلس.

إن حرقَ المصحف على أيدي عُبَّادِ الصليب وعلى أيدي اليهود المستوطنين التلموديين، ما هو إلا سلوكٌ إرهابيٌ صليبيٌ تلموديٌ يُعبرُ عن حقيقةِ عداءِ الصلبيين الجدد والمستوطنين التلموديين لكتاب المسلمين المقدس – القرآن الكريم- خاصةً ولدينِ الإسلامِ عامةً.

والسؤالُ الذي يطرحُ نفسه: لماذا يحرقون المصحفَ يومَ عيدِ الأضحى المبارك وأمامَ المسجدِ؟ ولماذا يتكررُ سماحُ الحكومة السويدية بحرقِ المصحفِ!؟

والجواب: إن الصراعَ بين الحقِّ والباطلِ مستمرٌ أبدَ الدهرِ، وإن عداوةَ الكفارِ لدينِ الإسلامِ عداوةٌ دائمةٌ، قال تعالى:{إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُم عَدُوًّا مٌّبِينًا} سورة النساء الآية 101.

وقال تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} سورة البقرة الآية 120، وإنَّ هؤلاءِ الكفار يَودون للمسلمين الكفرَ بعد الإيمانِ، قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِّن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِّن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَدًا مِّن عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ} سورة البقرة الآية 109، وقال تعالى:{وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّىَ يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دِينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَت أَعمَالُهُم فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ} سورة البقرة الآية 217.

وعداءُ الكفارِ من اليهودِ والنصارى للقرآنِ الكريم عداوةٌ مبنيةٌ على أنَّ هذا الكتابَ هو أساسُ دينِ الإسلام، والكفارُ يوقنون أنَّ هذا المصحف ما دام عند المسلمين، فلن يستقرَّ لهم قرارٌ في ديار الإسلام، وإن الكفارِ من اليهود والنصارى يكرهون القرآن الكريم، لأنهم يعلمون علمَ اليقينِ أن القرآنَ الكريمَ هو الدستورُ العظيمُ، والفرقانُ المبينُ الذي إن تمسك المسلمون به، سادوا وانتصروا وظهروا، وهؤلاء الكفرة يَصدقُ فيهم قولُ العزيز الحكيم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} سورة آل عمران الآية 118.

ومما يؤكدُ عداءهم للقرآن الكريم ما صدرَ عن زعماءهم من أقوالٍ تنضحُ بالحقدِ والكراهيةِ للقرآنِ الكريم، قال رئيس وزراء بريطانيا سابقًا «غلادستون» حيث رفعَ المصحفَ بيده في مجلس العموم البريطاني عام 1882م: [ما دام هذا المصحفُ موجودًا في أيدي المسلمين، فلن تستطيعَ أوروبا السيطرةَ على الشرق، ولا أن تكونَ هي نفسُها في أمانٍ].

وقال المبشِّرُ “وليم جيفورد بالكراف”: [متى توارَى المصحفُ ومدينةُ “مكة” عن بلاد العرب، يمكنُنا حينئذٍ أن نرى العربيَ يتدرجُ في طريقِ الحضارةِ الغربية بعيدًا عن محمدٍ وكتابهِ].

وقال المبشرُ “تاكلي”: [يجبُ أن نستخدمَ المصحف -وهو أمضى سلاحٍ في الإسلام- ضِدَّ الإسلامِ نفسِه حتى نقضيَ عليه تمامًا، يجبُ أن نُبين للمسلمين أنَّ الصحيحَ في المصحف ليس جديداً، وأن الجديدَ فيه ليس صحيحاً].

وقال المستشرقُ الألماني “تيودر نولدكه” في كتابه “من تاريخ المصحف”: [لغةُ المصحف المتراخية والركيكة…وتكراراتِه التي لا تنتهي، والتي يَستحي الرسولُ من استخدام الكلماتِ نفسِها فيها، والبراهينِ التي تُعوِزُها الدِّقةُ والوضوح، والتي لا تُقنعُ إلاَّ المؤمنين من البداية بالعاقبة النهائية…والقصصِ التي لا تُقدِّم إلاَّ قليلاً من التنوُّعُ، والتي كثيرًا ما تَجعلُ آياتِ الوحيِ أقربَ إلى المَلَل والسآمة…فأسلوبُ المصحف فيه عيوبٌ كثيرةٌ، عيوبٌ غيرُ موجودةٍ في القصائِدِ العربيةِ القديمةِ ولا في أخبارِ العرب…وأفكارُه ضَحْلَةٌ وساذَجة وبدائية!!!

وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبةِ مرورِ مائةِ عامٍ على احتلالها: [يجب أن نُزيلَ المصحفَ العربي من وجودهم، ونقتلعَ اللسانَ العربي من ألسنتهم؛ حتى ننتصرَ عليهم.] انظر كتاب “قادة الغرب يقولون: دمِّروا الإسلام أبيدوا أهله”.

وقال القسُّ النصراني المتطرف “تيري جونز” الذي أحرق المصحف، زاعمًا أنَّ المصحفَ الكريم يحضُّ على العُنفِ: [قرَّرنا أن نحاكمَ المصحف، وكنتُ أنا القاضي؛ ولكن لم أصدر حكمي، ولْيذهب الناسُ ليدافعوا أو يدينوا المصحف، وبما أنه ثبتت إدانةُ المصحف، فكان هناك أربعةُ أشكالٍ من العقاب: الحرقُ، والتمزيقُ، أو السَّحقُ أو الرَّميُ بالرصاصِ]

ويجبُ أن يُعلمَ أعداءُ الإسلام أن حرقَ المصحفِ يدلُّ على الضعفِ وليس على القوة، ويدلُّ على أنَّ الإسلامَ بات يمثلُ تهديدًا حقيقيًا لأعدائه من اليهود والصليبين. قال الدكتور محمد الهبدان فرج الله كربه: [إنَّ هذه الفعلة الشنعاء النكراء -حرق المصحف- إنَّما هو مؤشرٌ قوي، لإفلاسهم في المبادئ والقيم، وأنهم لا يملكون تُجاه هذا الدِّينِ العظيم وقوتهِ وحكمتهِ، إلاَّ طمسَ معالمهِ والقضاءِ على أنواره بهذه الأفعال، أمَّا أن تُقارنَ الحجةُ بالحجةِ، والبرهانُ بالبرهان، فهم يُدركون تماماً أنهم مهزومون مغلوبون، وأنَّى لهم الغلبةَ والله جلَّ جلاله لا يرضى إلاَّ الإسلام والإسلام فقط].

وليعلم أعداءُ الإسلامِ أيضاً أننا لم نرَ دعوةً واحدةً من المسلمين لحرقِ التوراةِ أو الإنجيلِ رداً على حرقِ المصاحف، لأنَّ ديننا يمنعنا من ذلك، مع اعتقادنا بتحريفِ كتبِ أهل الكتاب. مع العلم أنَّ جريمةَ حرقِ المصاحف قد أحرقت وهزت مشاعر ملياري مسلمٍ حولَ العالم.

وليعلمَ أعداؤُنا أنَّ جريمةَ حرقِ المصاحف تزيدُ يقيننا بصدقِ قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} سورة البقرة الآية 120. وبصدقِ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} سورة المائدة الآية 51.

وليعلمَ أعداؤُنا أنَّ جريمةَ حرقِ المصاحف لا تُضيرُ المصحف شيئاً، فإنَّهم وإن أحرقوا طروسَهُ وحروفهُ وأوراقهُ، فلن يستطيعوا أن يلغوا حقيقته، أو أن يحجبوا نورَهُ عن المؤمنين به، أو أن يقللوا من قدسيتهِ عندهم.

وليعلموا أيضاً أنَّ التاريخَ الإنساني سيضيفُ هذه الجريمة النكراء إلى صفحاتِ الخزي والعارِ كجرائم حرقِ المصاحف التي سبقتها على مرِّ الأيام!

إن حرقَ المصحفِ على أيدي عُبَّادِ الصليبِ، وعلى أيدي اليهود المستوطنين التلموديين، أمرٌ ليس بجديدٍ على الكفارِ من اليهود والنصارى، بل قد تكررَ حرقُ المصاحفِ على مدى تاريخِ الحقدِ الصليبي واليهودي على الإسلام والمسلمين، وحقدِهم على قرآننا العظيم، فقد سجَّلَ التاريخُ أولَ حادثةٍ لحرقِ المصحفِ كانت عام 1530م، وهي نفسُ السنةِ التي تُرجم فيها مضمونُ المصحف الكريم إلى اللغة اللاتينية، وتكررت حوادثُ حرقِ المصاحفِ عدةَ مراتٍ أثناء الحروبِ الصليبية.

قال المستشرق الإيطالي الأب سكيابرللي في مقدمة أحد كتبه: [التعصبُ الكاثوليكي، وثوراتُ خمنيس-الكاردينال- البربرية، التي ترتب عليها حرقُ المصاحف والكتب الإسلامية الأخرى لمسلمي غرناطة، وذلك لكي يتوسل إلى تنصيرهم].

وفي العصرِ الحاضرِ استمرت حوادثُ حرقِ المصاحف على أيدي الكفار كما حدثَ من القس تيري جونز الذي أعلن عن حملتهِ التي أطلقها تحت عنوان: (اليوم العالمي لحرق المصحف). كما أقدم متطرفون في السويد والنرويج والدنمارك، وفي دولة الكيانِ الغاصبِ على حرقِ نُسخٍ من المصاحف. وغير ذلك كثير!

وقد سبق لزعيم حزب “الخط المتشدد” الدانماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان أن أحرق نسخةً من المصحف الشريف، قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حمايةِ الشرطة السويدية.

وقد تزايدت ظاهرةُ حرقِ المصاحف من اليمينيين المتطرفين، من دون أن تتخذَ الحكوماتُ الغريبة أيَّ إجراءٍ لمنع ذلك، بل صدرت بياناتٌ من بعضها أنَّ حرق المصاحف يدخل ضمن الحرية الشخصية!؟

إن استغلالَ مبدأِ الحرياتِ في السويد وغيرها من الدول الغربية، ما هو إلا ذريعةٌ للإساءةِ إلى الدين الإسلامي الحنيف وللمسلمين.

فقد زعمت حكومةُ السويد أن سماحها بحرق المصحف من باب احترام حرية التعبير عن الرأي!؟ وقالت وزارةُ الخارجية السويدية عن حرق المصحف: “حريةُ تعبير يحفظها القانون” وزعمت وزارةُ الخارجية السويدية أن «حريّة التجمّع والتعبير والتظاهر هي حقٌّ محميٌّ دستورياً في السويد».

وقالت الولايات المتحدة الأمريكية إن إصدارَ التصريح بحرقِ المصحف دعمٌ لحريةِ التعبير!؟

وقال الأمينُ العام لحلف «الناتو ينس ستولتنبرغ»: [إن إحراقَ المصحف، يبدو عملاً قانونياً، ويأتي في إطارِ حريةِ التعبير]

ويحق لنا أن نتساءلَ عن المعاييرِ المزدوجةِ في استعمالِ مبدأِ الحرياتِ في السويد وغيرها من الدول الغربية؟ لماذا لا تتضمنُ حريةُ التعبيرِ التشكيكَ “بالهولوكوست”؟ فالتشكيكُ في “الهولوكوست” يعتبرُ جريمةً يُعاقب عليها!

ولماذا لا تتضمنُ حريةُ التعبيرِ السماحَ بحرقِ علم المثليين، فهم يعتبرون حرقَهُ اضطهاداً للمثليين، ويُعاقب من يحرقهُ، فعقوبةُ حرقِ علمِ المثليين في الولايات المتحدة السجن لمدة 15 عاماً؟! وفي السويد يعتبرون حرقَ علمِ المثليين بمثابةِ جريمةِ كراهية، ويقولون: لا يمكن منحُ تصريحِ تظاهرٍ لفعلِ ذلك؛ فكيف نمنحُ تصريحًا لنشرِ الكراهية!؟

ولماذا لا تتضمنُ حريةُ التعبيرِ السماحَ بحرقِ علمِ دولة يهود، ويعتبرون حرقهُ معاداةً للسامية!

ولماذا لا تتضمنُ حريةُ التعبيرِ السماحَ بحرقِ التوراة، ويعتبرون حرقها كراهية! فقد رفضت السويد طلباً لشخص لحرقِ التوراة!

إن حريةَ التعبيرِ التي يستظلون بظلها في سماحهم بحرقِ المصحف، إنما هي أكذوبةٌ كبرى، فالحريةُ المطلقةُ، رذيلةٌ ممقوتةٌ حيث إنها تؤدي بالانسان إلى الشرود والجموح والانفلات من جميع القيم والمبادئ، وإعطاءُ الفردِ الحريةَ المطلقةَ في أن يفعل ما يشاء وكيفما يشاء، كما تزعمُ الدولُ الغربية، يؤدي إلى مفسدةٍ مطلقةٍ.

إن قادةَ دولِ الغرب يفتقدون إلى العدالةِ في التعامل مع الإسلام، وعندهم ازدواجيةٌ واضحةٌ في المعايير، فسياسةُ ازدواجيةِ المعايير ثقافةٌ متأصلةٌ في دولِ الغربِ ووسائلها الإعلامية، ففي حين يعتبرون ما ذكرته سابقاً ممنوعاً، يزعمون أن حرقَ المصحفِ حريةٌ في التعبيرِ عن الرأي؟ إن أزمة قادة دول الغرب الحقيقية التي تغيظهم وتدفعهم لهذه المواقف، هي أن الإسلامَ هو الدِّينُ الأكثرُ نمواً وانتشاراً في العالم.

وعلى قادةَ دولِ الغرب أن يعلموا أن حرقَ المصحفِ أمرٌ في غاية البشاعة والاستهانة والاستهزاء بالدِّينِ الإسلامي وبالمسلمين، فهذا عملٌ دنيءٌ منحطٌ، ولا يُقبلُ بحالٍ من الأحوالِ تبريرهُ بحجةِ حريةِ التعبيرِ!

إِزاءَ هذه الهجماتِ الشرسةِ على المصحفِ الشريف، وما يمثلهُ في دينِ الإسلام، وعند المسلمين، فإنَّ واجبَ الأمةِ المسلمةِ أن تنصرَ القرآن الكريمَ، كتابَ ربها وعمودَ دينها، وأن تقفَ وتتصدى لكلِّ من تسولُ له نفسُهُ أن يسيءَ لدستورِ ديننا الخالد. نريدُ وقفةً قويةً من أمةِ الإسلامِ تهزُّ وتزلزلُ أربابَ الصليبِ والتلمودِ.

وواجبُ الأمةِ المسلمةِ أن تستيقظَ من سُباتها العميقِ، وأن تستردَ عزتَها وكرامَتها، وأن تخرجَ من دائرةِ غثاءِ السيل، التي أدخلها فيها الطغاةُ أدواتُ الاستعمارِ، الذين جعلوا الأمةَ المسلمةَ في ذيلِ قافلةِ الأمم. وأصبحت الأمةُ المسلمةُ كالقَصْعَة المُستباحةِ للداني والقاصي، وللطامعين فيها من الكفرةِ الذين تكالبوا عليها، وعلى خيراتها وأراضيها ومقدساتها، وانطبقَ علينا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فقال قائلٌ: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟! قال: بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ الله! وما الوَهَنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ) رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني.

وفي روايةٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لثوبان: (كَيفَ أَنتَ يَا ثَوبَانُ! إِذْ تَدَاعَتْ عَلَيكُمُ الأُمَمُ كَتَدَاعِيكُم عَلَى قَصْعَةِ الطَّعَامِ يُصِيبُونَ مِنهُ؟ قال ثوبان: بأبي وأمِّي يا رسول الله! أَمِنْ قلَّةٍ بنا؟ قال: لاَ؛ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِن يُلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنُ. قالوا: وما الوهَنُ يا رسولَ الله؟ قال: حُبُّكُمُ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَتُكُمُ القِتَالَ) رواه أحمد وقال الهيثمي: إسناده جيّد، وهو حديثٌ صحيحٌ بمجموع طرقه وشواهده.

ولا شكَّ لدي أنَّ أعداءَ الإسلامِ ما كانوا ليجرؤا على التطاولِ على حرقِ المصاحفِ إلا وقد علموا حالةَ الخذلانِ والخضوعِ والإذعانِ من هذه الأمةِ، وحكامها عبيدِ الاستعمار، وصدقَ الشيخ محمدٌ الغزالي رحمة الله عليه عندما أرادَ توصيفَ جُرأة الآخرين على الدِّين الإسلامي وأهلِه، بقوله: [الكلبُ لا يبولُ إلاَّ على الحيطة المائلة!!

ولو كان هناك بقيةٌ من حُمرةِ الخجلِ، والحرصِ على الدِّين ومقدساته، وعلى رأسها القرآنُ الكريمُ، لقام الحكامُ بقطعِ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ والاقتصاديةِ مع دولةِ السويد، ولسحبوا سفراءهم منها، ولكن لا نرى من هؤلاءِ الحكام وأبواقهم من المشايخ الرسميين، ولا نسمعُ إلا جعجعةً ولا نرى طحينًا، وإنما هي بياناتُ شجبٍ واستنكارٍ وتصريحاتٍ باهتةٍ.

ولا نستغربُ هذه المواقف التعيسة من هؤلاء، فهم يحاربون الإسلامَ وينكلون بالمتدينين. وبعضُ الطغاة يحاربون حلقاتِ تحفيظ القرآن الكريم؟!

وكيف للمطبعين مع الاحتلال أن يحركوا ساكنًا ضدَّ الاحتلالِ الذي استهانَ بمقدساتنا، وعلى رأسها القرآنُ الكريمُ، والمسجدُ الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالثُ المسجدين الشريفين!

ولا شكَّ أن أبلغَ الردودِ على هؤلاء الحاقدين من الصهاينة والصليبين، ويغيظهم ويوهنُ كيدهم، هو أن نعودَ لديننا ونُحَكِّمَ كتابَ ربنا في كلِّ شؤون حياتنا، بدلاً من هذا التيهِ الذي قادنا له الطغاةُ من الحكمِ بقوانين الكفرِ والعلمانية، ولم يبقوا من ديننا إلا أحكاماً على استحياءٍ في بعضِ الأحوال الشخصية، التي عبثت فيها أيدي السيداويين والسيدوايات!؟

إن تخاذلَ الحكوماتِ في التصدي لهذه الهجمة الصليبية والتلمودية على المصحفِ الشريف، يعتبرُ تخاذلاً صريحاً عن نصرةِ دينِ الإسلام الذي ارتضاه اللهُ لأمةِ الإسلام، كما قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} سورة المائدة الآية 3.

وإن تخاذلَ الحكوماتِ في التصدي لهذه الهجمة الصليبية والتلمودية على المصحفِ الشريف، لا يُعفي الشعوبَ المسلمةَ- ممثلةً بعلمائها ومؤسساتها العلمية والدينية- من القيامِ بواجبهم في الدفاعِ عن كتابِ ربهم وأُسِّ دينهم – القرآن الكريم-، وعلى أمةِ الإسلام، أمة الملياري المسلم أن تستيقظ من سباتها، وأن تغضبَ دفاعاً عن دينها الإسلام!

ومن أبلغِ الردودِ على الصهاينة والصليبين أيضاً، أن نزيدَ تمسكنَا بقرآننا وبسنةِ نبينا وبديننا، وأن يكون كلُّ مسلمٍ منا قرآناً يمشي على الأرض، كما صحَّ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن خُلُقِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: (كان خُلُقُهُ القُرآنَ) رواه أحمد وأبو يعلى والطحاوي في “شرح مشكل الآثار”. وصححه العلامةُ الألباني في صحيح الجامع. قال الإمام النووي: [مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَتَدَبُّرُهُ وَحُسْنُ تِلَاوَتِهِ] شرح صحيح مسلم 3/268.

وقال الشيخ محمد السندي: [وَكَوْنُ خُلْقِهِ المصحف هُوَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِآدَابِهِ وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه وَمَحَاسِنه، وَيُوَضِّحهُ أَنَّ جَمِيع مَا قَصَّ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه مِنْ مَكَارِم الأَخْلَاق مِمَّا قَصَّهُ مِنْ نَبِيّ أَوْ وَلِيّ أَوْ حَثَّ عَلَيْهِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ، كَانَ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَخَلِّقًا بِهِ، وَكُلّ مَا نَهَى اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِيهِ وَنَزَّهَ، كَانَ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَحُومُ حَوْلَهُ] حاشية السندي على سنن النسائي 3/200.

وقال الشيخ المُناوي: [أي ما دلَّ عليه القرآنُ من أوامرهِ ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك. وقال القاضي: أي خلقهُ كان جميع ما حصل في القرآن، فإنَّ كُلَّ ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحَلَّى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تَجَنَّبَه وتَخَلَّى عنه، فكان القرآنُ بيانَ خُلقه] فيض القدير 5/170.

ومن الردود العملية لنصرة قرآننا أن تُسَهَلَ الطرقُ أمامَ حفظه وتعلمه وتعلميه، من خلال جمعياتِ تحفيظ القرآن الكريم وغيرها، وأن يُقدَم لها كلُّ دعمٍ ومساندةٍ، والواجبُ أن تُرفعَ كلُّ القيود التي تَحدُّ من ذلك، كما هو موجودٌ في سياسةِ بعض الأنظمة القمعية!؟

ومن الردود الإعلامية على جريمةِ حرقِ المصاحف، إنكارُ الأمةِ الإسلامية لهذه الجريمة البشعة، وكذا المؤسساتِ الإسلامية كالأزهر ورابطة العالم الإسلامي، والمجامع الإسلامية ودورِ الفتوى والعلماء والدعاةِ والأفرادِ، وأن يحذِّروا من استمرارِ هذه الهجمةِ على المسلمين ومقدساتهم بذرائع واهية، وحججٍ ساقطةٍ، وأن الأمةَ المسلمة لن ترضى أن تعطيَ الدَّنيةَ في دينها، ولن تسكتَ الأمةُ عن انتهاكِ حرماتها، وأنها ستدافعُ عن عقيدتها وعن قرآنها وعن نبيها محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

ولا شكَّ أن من أبلغِ الردودِ على هؤلاء الحاقدين من الصهاينة والصليبين، ويغيظهم ويوهنُ كيدهم، هو المقاطعةُ الاقتصاديةُ لدولة السويد، وذلك بمقاطعةِ المنتجات السويديةِ بجميع أنواعها، نصرةً للقرآنِ الكريم على مستوى العالم الإسلامي. والمقاطعةُ الاقتصاديةُ وسيلةٌ مشروعةٌ للدفاع عن المصحف الشريف، ولردعِ المعتدين، ولإجبارِ تلك الدول لتسنَّ التشريعات التي تُعاقب كلَّ مَْن يسيءُ إلى دينِ الإسلامِ، ولتوقفَ مسلسلَ حرقِ المصاحف، وعلى المسلمين كافةً أن يسهموا في المقاطعةِ الاقتصاديةِ حتى تكونَ مؤثرةً وقويةً. وقد أفتى العلامةُ الموريتاني محمد الحسن ولد الددو بوجوبِ مقاطعةِ السويد، ومنتجاتها، بعد حرقِ المصحف الشريف، وأنا شخصياً أوافقهُ في الفتوى. وقال العلامةُ الددو: إنه أفتى بـ«وجوب قطع كل الدول الإسلامية علاقاتها مع حكومة السويد، حتى تعتذرَ عن هذه الجريمةِ اعتذاراً رسمياً، ولا تكفي دعواهم للتعاطفِ مع المسلمين لأن الواقعَ يُكذبهُ».

وقال بـوجوبِ مقاطعةِ الشعوبِ المسلمةِ لكل المنتجاتِ السويديةِ حتى تعلن الاعتذارَ أيضاً. ودعا العلامةُ الددو جميعَ المسلمين للتحرك ضدَّ السويد، ضمن النطاقِ المتاح لهم. ودعا العلامةُ الددو الإعلاميين إلى “التشهير بهذه الجريمة والتوعية بخطرها وضررها، وأنه يجبُ على خطباءِ المساجد وعلى الدعاةِ بذلَ الجهدِ في ذلك”. وبين العلامةُ الددو أن فتواه تنطلقُ من وجوبِ تعظيمِ حرمات الله وشعائره، والنصحِ لكتابه ورسوله، وقياماً بشعيرةِ إنكارِ المنكرِ وتغييره، وغضباً لله تعالى وغَيرةً على حرماتهِ، وغضباً للقرآن الكريم.

وينبغي عدمُ الاستخفافِ بمبدأِ المقاطعة الاقتصادية للسويد، فقد [قدَّر الباحثُ في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب، أن يكلف سلاحُ المقاطعة الاقتصادية من الدول العربية والإسلامية ضد السويد بعد حرق المصحف الشريف ما يقارب 20 مليار دولار. وأوضح أبو بكر الديب أن الاقتصاد السويدي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على التبادل التجاري والاستثماري مع الدول العربية والإسلامية، ولذا فإن غضبَ الشعوبِ الإسلامية خاصةً، على استفزازهم وحرقِ كتابهم المقدس القرآن الكريم أكثرَ من مرةٍ في حمايةِ الشرطة السويدية، وعدم معاقبة مَنْ يقومُ بحرقِ المصحفِ الشريفِ، سيعدُّ ضربةً كبرى للاقتصادِ السويدي.]

رغمَ حقدِ الحاقدين وعدوانِ المعتدين وإهانة الموتورين بحرقِ المصحفِ الشريفِ، فاللهُ حافظٌ كتابَه وناصرٌ دينه، دينَ الإسلام، قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}سورة التوبة الآيتان 32-33، وقال الله تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}سورة الصف الآيتان 8-9، وقال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفي بِاللَّهِ شَهِيداً}سورة الفتح الآية 28، وقال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}سورة الحجر الآية 9.

وأن اللهَ حافظٌ دينَهُ ومظهرهُ على الدَّينِ كلهِ، ولو كره الكافرون، وإن أُولئك الموتورين لو حرقوا نسخاً من المصاحف ومزقوها وأهانوها، فإن كيدَهم في تضليلٍ، وسيبقى القرآنُ الكريمُ متجذرٌ في قلوب المسلمين، وسيبقى ما بقي الليل والنهار نبراساً للمسلمين يضيءُ طريقهم، وفي المقابل يظنُّ هؤلاء المعربدون، بدعوى حرية التعبير، أنهم بحرقِ المصحفِ الشريفِ سوف يزيلون أثرَهُ لدى المسلمين، ولا يعلمُ هؤلاء الجهلاء الحاقدون أن كتابَ الله محفورٌ في الصدور قبل أن يكون في السطور، وأنه بالنسبة للمسلمين الجادين منهاجٌ حياةٍ، وسبيلٌ للنجاةِ. ولا يعلمُ هؤلاء بجهلهم أن الله عزَّ وجلَّ قد تكفَّلَ بحفظهِ إلى يومِ الدين، يقول تعالى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر الآية 9.

واللهُ جلَّ وعزَّ ناصرٌ دينه، كما ثبت في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها) رواه مسلم.

وعن تميمٍ الداري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكُفرَ) رواه أحمد والطبراني في المعجم الكبير والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة. وصدق الشاعر عندما قال:

اللَّه أَكبَرُ إنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ::: وكتَابَه أَقْوَى وَأَقْوَمُ قِيلا

طَلَعَت بهِ شمسُ الهِدَايَةِ لِلوَرَى::: وَأبى لَها وصْفُ الكمالِ أُفُولا

والحَقُّ أَبْلَجُ في شريعَتِهِ الّتي ::: جَمَعَتْ فروعاً لِلْوَرَى وأُصُولا

لا تَذْكُروا الكتبَ السَّوالِفَ عندَهُ :: طَلَعَ النَّهارُ فأَطْفِئُوا القِنْدِيلا

والله الهادي إلى سواء السبيل

Please follow and like us:
د. حسام الدين عفانة
فقيه ومفتي وكاتب فلسطيني، وأستاذ الفقه والأصول في جامعة القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب