بحوث ودراسات

د. حسام الدين عفانة يكتب: مشايخ السوء أعوان الظلمة

من المعلوم أن أعوان الظلمة في زماننا قد كثروا، ويشمل ذلك فئات كثيرة، كأجهزة الظالم المختلفة، وكالقضاة ومشايخ السوء والإعلاميين والفنانين وغيرهم، ومن أخبث هؤلاء مشايخ السوء مشايخ السلطان، فقد كثُرَ في زماننا علماءُ السوء الذين وصفهم الله بالكلاب والحمير، فقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة الأعراف الآيات174-178.

وقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة الجمعة الآية 5.

وقد كثُرَ أدعياءُ العلم ممن يسمون أنفسهم دعاةً أو يسمون أنفسهم دعاةً جدداً، وكثُرَ المفترون على منهج السلف، أدعياء السلفية، وهؤلاء جميعاً يربطهم موقفٌ واحدٌ ألا وهو التزلفُ للطغاة وللظلمة، لذلك سخروا ظهورهم على القنوات الفضائية، لخدمة أسيادهم من المتسلطين على رقاب الأمة، الذين يسومونها سوء العذاب، هؤلاء الطغاة الذين يستأسدون على شعوبهم، فيسفكون الدماء، ويسرقون الأموال، ويسعون في الأرض فساداً، وفي ذات الوقت هم أرانبُ خانعةٌ ذليلةٌ أمام أسيادهم سدنة الكفر في العالم. وقد سمعنا ورأينا من علماء السوء أولئك، ومن المستحمرين أقوالاً عجيبة غريبة، ومنها على سبيل المثال:

👈 قال أحد الأفاكين مخاطباً سفاح الشام بشار: اللهُ أقامك مقامَ خالد بن الوليد وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي، وإن الله أقامك مقام أولئك العظماء الذين نصروا الأمة على أعدائها، فامضِ لما أقامك الله وتسلح بالعزم والإيمان.

👈 ووصف دجالٌ أزهريٌ سفَّاحَينِ آخرين بأنهما رسولان من عند الله، مثلهما مثل موسى وهارون عليهما السلام. وشبه الدجال السابق نجاة طاغية من حادثةٍ، بنجاة نبي الله إبراهيم من النار!

وقال كبيرُ الدجاجلة من أدعياء السلفية: إن حصار غزة وإغلاق معبر رفح، فيه مصلحةٌ لأهل غزة وفلسطين!؟ وغير ذلك من قاذورات هؤلاء التي تزكم الأنوف، وتعافها عقول المؤمنين.

هؤلاء السفلة الذين اتخذهم الطغاة والظلمة (جِزَماً بالعامية المصرية) ليخوضوا بها الأوحال والمستنقعات النتنة، ومن ثم يخلعونها ويرمونها، وهذه هي قيمتهم الحقيقية أن يكونوا في مزابل التاريخ.

علماءُ السوء وأدعياء العلم ممن يسمون أنفسهم دعاةً أو يسمون أنفسهم دعاةً جدداً أو من المفترين على منهج السلف أدعياء السلفية، رضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقاً للطواغيت الظالمين وأعواناً لهم، ورضوا لأنفسهم أن يكونوا كشاهدي الزور، ورضوا لأنفسهم أن يكونوا أدواتٍ حادةٍ بيد الظلمة يشهرونها في وجوه أهل الصدق المخالفين والمعترضين على ظلمهم وخيانتهم للعهد وللأمانة. علماءُ السوء سخَّروا علمهم وما حفظوا من نصوص شرعية لإحقاق الباطل، وإبطال الحق قربةً لأسيادهم الطواغيت الظالمين، كل أؤلئك ليسوا أهلاً لتأخذ عنهم الفتاوى ولا يُسمع لهم، بل الواجب أن تُرمى أقوالُهم وفتاواهم في وجوههم، فلا يجوز مطلقاً لأي مسلم أن يأخذ بفتاوى هؤلاء الأقزام ناقصي العقل والدين، فهؤلاء مفترون على دين الإسلام، ومفترون على السلف الصالح. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع.

 ومعنى الحديث أنه قد خان عهد الله وعهد رسوله، وحُرِمَ من حفظ الله وأمانه ورعايته في الدنيا والاَخرة.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) رواه مسلم.

قال الإمام النووي: [هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة] شرح النووي على صحيح مسلم 17/191.وقال السخاوي: [وهم الآن أعوان الظلمة ويطلق غالباً على أقبح جماعة الوالي، وربما توسع في إطلاقه على ظلمة الحكام] الإشاعة لأشراط الساعة ص 119.

وقال ابن حجر الهيتمي: [الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثمِائَةِ ظُلْمُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ. والْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: ظُلْمُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِنَحْوِ أَكْلِ مَالٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَخِذْلَانُ الْمَظْلُومِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نُصْرَتِهِ، وَالدُّخُولُ عَلَى الظَّلَمَةِ مَعَ الرِّضَا بِظُلْمِهِمْ وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ وَالسِّعَايَةُ إلَيْهِمْ بِبَاطِلٍ). قَالَ تَعَالَى:(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم:42. وَقَالَ تَعَالَى:(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ الشعراء:227، وَقَالَ تَعَالَى:(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود:113. وَالرُّكُونُ إلَى الشَّيْءِ السُّكُونُ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ بِالْمَحَبَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْآيَةِ: [لَا تَمِيلُوا إلَيْهِمْ كُلَّ الْمَيْلِ فِي الْمَحَبَّةِ وَلِينِ الْكَلَامِ وَالْمَوَدَّةِ] وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: لَا تُدَاهِنُوهُمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا تُطِيعُوهُمْ وَتَوَدُّوهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا تَرْضَوْا بِأَعْمَالِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ. وَقَالَ تَعَالَى:(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) الصافات:22 أَيْ أَشْبَاهَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ] الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/189-190.

وقد كشفت أحداثُ سوريا الأخيرة عن فظاعة جريمة أعوان الظلمة ومشايخ السلطان مشايخ السوء عليهم من الله ما يستحقون، فقد ثبت بشكلٍ واضحٍ مشاركةُ مشايخ السوء أعوان الظلمة للمجرم حافظ أسد وابنه المجرم بشار في فتاوى ومواقف أسهمت في تغذية جرائمها الفظيعة في حقِّ الشعب السوري السني، والتي لا يكاد أن يكون لها نظيرٌ في العصر الحالي، فقد قتلوا مئات الآلاف من الشعب السوري السني، وهجروا الملايين من الشعب السوري السني، ودمروا المدن والقرى، ونهبوا خيرات الشام، هم وأعوانهم من الرافضة الإيرانيين وحزب اللات اللبناني وغيرهم من الروافض، وعاثوا في الشام فساداً وإفساداً، وقد تبين أن هؤلاء المجرمين أخذوا فتاوى من مشايخ السوء أعوان الظلمة، كمفتي البراميل المجرم أحمد حسون، ومن قبله المفتي السابق أحمد كفتارو، ومن المقبور البوطي ومن غيرهم.

وأكثرهم إجراماً إمام المخابرات السورية، ورجل الأمن الأول في حلب، المجرم أحمد حسون، هكذا كانت ألقاب حسون قبل أن يصبح مفتياً للأسد وحاقداً على شعبه ومدينته حلب التي دعا إلى قصفها سنة 2014 م. الدجال أحمد حسون الصوفي النقشبندي كان يحمل شهادة دكتوراه من جامعة الأزهر، ولكن علمه لم ينفعه فهو كالحمار يحمل أسفاراً، وكانت أهم شهادة يحملها المجرم أحمد حسون شهادته من السوريين بأنه «مفتي البراميل» وهي براميل مملوءة بالمتفجرات ألقتها طائرات المجرم بشار، فانهالت على رؤوس الشعب السوري السني، وعلى مدنهم وقراهم، وقتلت الآلاف من الرجال والنساء والأطفال.

وكان هذا الشيطان «مفتي البراميل» يدافع عن آل الأسد المجرمين فنقل عنه قوله: إن «الجيش السوري لم يذبح أحداً منذ أربعين عاماً. واتّهم معارضي الأسد بأنهم هم من يقوم بذلك».

وقد ظهر المجرم أحمد الحسون مفتي النظام السوري، في فيديو مصور وهو يدلي بصوته في انتخاب بشار الأسد، وذلك خلال تغطية التلفزيون للانتخابات السورية التي انتهت بفوز بشار الأسد بنسبة تجاوزت 88%. وقال: «انتخبت بشار الأسد تنفيذاً لوصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم»!؟ وغير ذلك من المخازي التي صدرت عن هذا المسخ مفتي البراميل.

وأما المفتي أحمد كفتارو فهو رأسٌ من رؤوس غلاة المتصوفة في زماننا، ووارثٌ أمينٌ لتراث الفرقة النقشبندية؛ التي تقولُ بوحدة الوجود، والفناء، والاستغاثة بالأموات، وتعظيم قبورهم …الخ. وكان أحمد كفتارو مفتي المجرم حافظ أسد، وأشد أفعال المفتي أحمد كفتارو الإجرامية هي دفاعه عن مجزرة حماه عام 1982م التي ارتكبها المجرم حافظ أسد وأعوانه، والتي أدت إلى مقتل حوالي 30,000 سوري سني على الأقل. وفي عام 1999م قال المفتي أحمد كفتارو يوم التصويت للتجديد لحافظ الأسد: «في هذا اليوم المشهود قال المؤمنون نعم، وقالت الملائكةُ نعم، واللهُ تعالى في علاه قال نعم».

وأصدر أحمد كفتارو فتوى شرعية تقول: (التصويت بـ«نعم» للرّئيس حافظ الأسد واجبٌ شرعيٌّ على كلِّ مسلم)، وأطلق أحمد كفتارو على حافظ الأسد ألقاب «الرئيس المؤمن» و«المؤمن الأوّل»!؟ وغير ذلك من المخازي.

وأما محمد سعيد رمضان البوطي ففي سنة 2012م وفي أثناء قيام جيش بشار الأسد بقتل السوريين، قام الشيخ البوطي ومن منبره بوصف جنود بشار الأسد بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ننسى أنه في عام 1994م قال الشيخ البوطي في تأبين باسل الأسد-ابن المقبور حافظ الأسد- بأن خيرَ صلاةٍ نتقرب بها إلى الله هي أن نكون مصلحين مثل باسل الأسد، ووصف باسل الأسد بأنه الوعاء الذي وضع الله فيه كل الفضائل، وأن باسل الأسد جالسٌ بجوار الله!!

والشيخ البوطي ومن بداية الثورة اتهم الثوار في دينهم لمجرد أنهم ثاروا ضد بشار الأسد وقال عنهم: بأن جباههم لا تعرف السجود لله!؟ ووصف الشيخ البوطي جيشَ الأسد الذي قتل ودمَّر وهجَّر بجيش الصحابة!؟

هذا تلخيصٌ لبعض مواقف ثلاثة من شيوخ النفاق أدعياء التصوف في سوريا، الذين وقفوا ضد أبناء شعبهم واصطفوا مع الظلمة، ولا نستغرب أن يظهر عددٌ من مشايخ دمشق وهم يهتفون أثناء سيرهم للاقتراع للأسد في الانتخابات الرئاسية: «يا عزيز يا جبار احفظ القائد بشار»؟!

ومع الأسف الشديد فإن نماذجَ مشايخ السلطان مشايخ السوء، متكررةٌ في بلاد المسلمين، وها هو شيخ السلطان علي جمعة الصوفي المخرف -أحدُ سدنة الباطل وأنصارهِ وأحدُ مَنْ سقطتْ عدالته- صاحب المواقف الكثيرة والمخزية له ولأتباعه ولكل من يدافع عنه، في الوقوف مع الظلمة ومحاربة المعارضين للظلمة، ومن أخطر مواقف شيخ السلطان علي جمعة أنه حرَّضَ على قتل المعارضين لأسياده الظلمة، وقال: اضرب في المليان، إياك أن تضحي بجنودك وأفرادك من أجل هؤلاء الخوارج. طوبى لمن قتلهم وقتلوه. من قتلهم كان أولى بالله منهم. بل إننا يجب أن نطهر مدينتنا ومصرنا من هؤلاء الأوباش.؟!

ومن مواقف وفتاوى شيخ السلطان علي جمعة المخزية، قوله: «إن النقاب ثقافة عفنة»، ومن فتاواه العجيبة قوله بإباحة أن يبيع المسلمُ في دولةٍ غير إسلامية الخمورَ لغير المسلمين!! وزعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوقٌ من نورٍ! ومن غلوّ شيخ السلطان علي جمعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله بالتبرك ببول النبي صلى الله عليه وسلم!؟ وقوله: إن السلفية المتشددة أقرب إلى العلمانية منها إلى الإسلام، وأن الفكر السلفي المنغلق هو الوجه الآخر للفكر العلماني؟ ومن غلوّ شيخ السلطان علي جمعة أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم مولودٌ في 20 إبريل ولذلك فهو في بُرجِ الحَمَلِ، وقوله: عندما نقرأ صفات بُرجِ الحمل نرى صفات سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم!؟ وغير ذلك من شذوذه وغلوه.

ويربط مشايخ السوء هؤلاء أنهم من أدعياء التصوف، فطالما كان عددٌ غير قليلٍ من الصوفية مطايا للحكام وللمستعمرين، فوقفوا مع المستعمر لبلادهم كما هو الحال في الجزائر، حيث وقفوا مع الاستعمار الفرنسي وكانوا يحاربون الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسسها الإمامان عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي.

قال الشيخ البشير الإبراهيمي:

[ابحثوا في تاريخ الاستعمار العام، واستقصوا أنواع الأسلحة التي فتك بها في الشعوب، تجدوا فتكها في استعمال هذا النوع الذي يسمّى «الطرق الصوفية»؛ فإن الاستعمار الفرنسي ما رست قواعده في الجزائر وفي شمال أفريقيا على العموم وفي أفريقيا الغربية وفي أفريقيا الوسطى إلا على الطرق الصوفية وبواسطتها، ولقد قال قائد عسكري فرنسي معروف، كلمةً أحاطت بالمعنى من جميع أطرافه قال: «إن كسب شيخ طريقة صوفية أنفع لنا من تجهيز جيش كامل، وقد يكونون ملايين، ولو اعتمدنا في إخضاعهم على الأموال والجيوش لما أفادتنا ما تفيده تلك الكلمة الواحدة من الشيخ، على أن الخضوع لقوّتنا لا تؤمن عواقبه لأنه ليس من القلب، أما كلمة الشيخ فإنها تجلب لنا القلوب والأبدان والأموال أيضًا». (كتاب آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي- جمعية العلماء 5/143).

وجاء في رسالة من المارشال بوجو أول حاكم فرنسي للجزائر إلى شيخ الطريقة التيجانية الصوفية، ذات الانتشار الواسع: «لولا موقف الطريقة التيجانية المتعاطف!! لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المفتتحة حديثاً أصعب بكثير مما كان»

وكذلك الحال في ليبيا فقد وقف أدعياء التصوف مع الاستعمار الإيطالي وضد الشيخ الجليل المجاهد عمر المختار، وكانت مواكب الصوفية واحتفالاتها الاستعراضية تتبع خطى موسوليني في شهر مارس 1937 وكانت الطريقة العروسية والعيساوية والرفاعية تحمل أعلاماً إيطالية و تنشد أذكارها وتهتف بمجد روما؟! وفي وقتنا الحاضر نجدُ أرباب الطرق الصوفية مطايا للطغاة، كما أسلفت عن مفتي البراميل وأحمد كفتارو والبوطي في سوريا، وفي مصر نجد أرباب الطرق الصوفية يطبلون للطغاة؟

لكل ذلك لا نستغرب اليوم أننا نرى مؤسسة «راند» الأمريكية -مؤسسةٌ بحثيةٌ تابعةٌ للقوات الجوية الأمريكية- تُشيرُ على صانع القرار الأمريكي باحتضان الطرق الصوفية لأن عداءهم للإسلام الجهادي والسياسي يجعلهم حلفاء للإمبريالية الأمريكية، ولما بين باطنيتهم وبين النصرانية الغريبة من وشائج وصلات! الأمر الذي جعل سفراء أمريكا في مصر ضيوفاً دائمين على موائد شيوخ الطرق الصوفية في «موالد» أولياء الله الصالحين؟؟!!

ولا ننسى أن من أسوأ مشايخ السلطان علماء السوء، أدعياءُ السلفية، هؤلاء الذين ألبسوا ولاة أمرهم! هالةَ التقديس، ومنعوا إنكارَ المنكر علناً ولو ارتكب الحكامُ الكبائر جهاراً نهاراً، بل لو زنوا وشربوا الخمر على البث المباشر على التلفزيون الرسمي يُمنع انتقادهُم علناً، ولا ذكرُ أسمائهم لا تصريحاً ولا تعريضاً، كما قال بعض أدعياء السلفية المدخلية: [إنه لو قام الحاكم بالزنا لمدة نصف ساعة، وشرب الخمر على التلفزيون الرسمي، فإنه لا يصحُّ الخروجُ عليه، أو انتقادهُ على العلن. ولو أن ولي الأمر زنا نصف ساعة على التلفاز، فلا يجوز لك التحريضُ عليه، ولا ذكرُ اسمه لا تصريحاً ولا تعريضاً] فأي شرعٍ وأي دينٍ يقرُّ هذا المنكر، وهذا الهذيان، وإن السلفَ منكم براءٌ، وولي أمركم الزاني وشارب الخمر جهاراً نهاراً على التلفزيون على قولكم، تسقطُ ولايتهُ ويجبُ إقامةُ الحدِّ الشرعي عليه، إلا إذا أعطيتموه حصانةً دبلوماسية تحصنهُ من إقامة الحدود؟ وأين أنتم من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) رواه مسلم. أجيبوا يا أدعياء السلفية! وإن اعتبار أدعياء السلفية حكامَ اليوم -من الطغاة والمحاربين لله ولرسوله ولدينه، ومن الكفار أيضاً- أولياءَ أمرٍ وتسويتهم مع خلفاءِ الأمة الراشدين، أمرٌ عجيبٌ غريبٌ!؟ إن أدعياء السلفية قد تلاعبوا في النصوص الشرعية ولووا أعناقها حتى تُسند أقوالهم الباطلة، وإن المرءَ لا ينقضي عجبهُ عندما يسمعُ هؤلاء وهم يتحدثون عن ولاة أمورهم! فهل من يفعلُ هذه الطامات والجرائم الفظيعة والمنكرات هو ولي أمرٍ بالمفهوم الشرعي الصحيح؟ إن ولي الأمر في الشرع الحنيف هو الذي يقيمُ لواءَ الدِّين ويصلحُ الدنيا به، وهؤلاء المساكين يغدقون الألقابَ والأوصافَ على هؤلاء الظلمة، حتى إن المرءَ ليظنُ أن تلك الأوصاف لو قيلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم لاستكثرها! فكيف إذا أطلقت على من يحاربُ الله ورسوله ويحاربُ دينه جهاراً نهاراً!

ومن العجبِ العُجابِ أن مظاهر التضامن مع أهل غزة انتشرت في عواصم العالم الغربي، فيما نجد بعض المشايخ من أشباه العلماء من أدعياء السلفية الذين أعمى اللهُ بصائرهم، الذين ما نبسوا ببنت شفة في نصرة أهل غزة، بل إن بعض هؤلاء مختلفون فيما بينهم هل يجوز الدعاء لأهل غزة أم لا!؟ ومن هؤلاء من يظهر الشماتة فيما حصل لأهل غزة من قتلٍ ودمارٍ وخراب، وبعضهم فرحوا بمصائب أهل غزة. إن على هؤلاء وأؤلئك أن يعيدوا النظر في دينهم. فقد ارتكبوا ناقضاً من نواقض الإسلام كما قال إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما عدَّد نواقض الإسلام: الناقِض الثامن:

مُظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، والدَّليل على ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وعلى كل أولئك أن يعلموا أن مناصرة إخوانهم المسلمين في غزة هاشم على الكفار من مسائل العقيدة، وليست من الفروع، قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) سورة القلم الآيتان 35 -36.

وهذا الكلام ينطبقُ على كل أدعياء العلم وأشباه العلماء الذين يناصرون الظلمة ويفتون بقتل أبناء شعبهم تحت ذرائع واهية؟

إن هؤلاء جميعاً هم مشايخ الضلال وعلماءِ السوءِ، مطايا الطغاة، الذين يبيحون سفكَ دماء المسلمين في الميادين والساحات، المساندين للظلم والمدافعين عن الباطل. هؤلاء مشايخ الضلال الذين يناصرون الظلمة والفسقة والطغاة، بل الكفار، مشايخُ الضلال هؤلاء الذين يفتون في قضايا كثيرةٍ إرضاءً لذوي الجاه والمال والسلطان. ولا شك لدي أن هؤلاء جميعاً من الأئمة المضلين الذين حذَّر منهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أَخْوَفُ مَا أَخَافَ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ)رواه أحمد والطبراني وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع، وفي السلسلة الصحيحة، فهؤلاء ممن يهدمُ الإسلام، كما ورد عن زياد بن حدير قال: [قال لي عمر رضي الله عنه: هل تعرف ما يهدمُ الإسلام؟ قال: قلت: لا. قال: يهدمه زلةُ العالم، وجدالُ المنافق بالكتاب، وحكمُ الأئمة المضلين] رواه الدرامي وصححه العلامة الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح 1/57.

وفي رواية أخرى قال عمر رضي الله عنه: [يفسد الناسَ ثلاثةٌ: أئمةٌ مضلون، وجدالُ منافقٍ بالقرآن والقرآنُ حقٌ، وزلةُ العالم] الآداب الشرعية 2/117.

وهؤلاء جميعاً ينطبق عليهم قول الله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) سورة هود الآية 113. قال أهل اللغة: الركون السكون إلى الشيء والميل إليه.

وقال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى:(وَلَا تَرْ‌كَنُوا) عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا”، وهذا القول حسنٌ، أي لا تستعينوا بالظلمة، فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ‌ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُ‌ونَ) أي: ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ولا ناصر يخلصكم من عذابه]. تفسير ابن كثير 2/511.

وقال القرطبي: [قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا) الركون حقيقةً الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم. وقال ابن جريج: لا تميلوا إليهم. وقال أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم؛ وكله متقارب وقال ابن زيد: الركون هنا الإدهان وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم] تفسير القرطبي 5/75.

وقرر العلماء أن كلَّ قولٍ أو فعلٍ فيه مساندةٌ للظالم يدخلُ في مفهوم الركون إلى الذين ظلموا، وقال العلماء إن حدَّ إعانة الظالم في ظلمه أن يُقدم الأعوانُ كلَّ ما ييسر للظالم ظلمه والاستمرار فيه، قال مكحول الدمشقي: [ينادي منادٍ يوم القيامة: أين الظلمة وأعوانهم؟ فما يبقى أحدٌ مدَّ لهم حبراً أو حبَّرَ لهم دواةً أو برى لهم قلماً فما فوق ذلك إلا حضر معهم، فيجمعون في تابوتٍ من نارٍ فيلقون في جهنم] الكبائر للذهبي ص 112.

وقال الْحَسَن البصري وغيره من السلف: [مَنْ دَعَا لِظَالِمٍ بِالْبَقَاءِ، فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى الله عَزَّ وَجَلَّ] ذكره البيهقي في شعب الإيمان 12/41.

وقال الألوسي: [ولعمري إن الآية أبلغ شيءٍ في التحذير عن الظلمة والظلم، ولذا قال الحسن: جمع الدين في لاءين يعني (لا تطغوا) سورة هود الآية 112 (ولا تركنوا) تفسير الألوسي ١٢/١٥٥.

وقال سفيان الثوري: [من برى لهم قلماً، أو ناولهم قرطاساً، دخل في هذا] أي في الركون. وَجَاء رجلٌ خياطٌ إِلَى سُفْيَان الثَّوْريّ فَقَالَ إِنِّي رجلٌ أخيط ثِيَاب السُّلْطَان- وكان السلطان ظالماً- هَل أَنا من أعوان الظلمَة؟ فَقَالَ سُفْيَان: بل أَنْت من الظلمَة أنفسهم، وَلَكِن أعوان الظلمَة من يَبِيع مِنْك الإبرة والخيوط.] الكبائر للذهبي ص 112.

 وقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَذِيُّ: [لَمَّا حَبَسُوا الإمام أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي السِّجْنِ جَاءَهُ السَّجَّانُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ فِي الظَّلَمَةِ وَأَعْوَانِهِمْ صَحِيحٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ السَّجَّانُ: فَأَنَا مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ قَالَ لَهُ: أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَأْخُذُ شَعْرَكَ وَيَغْسِلُ ثَوْبَكَ وَيُصْلِحُ طَعَامَكَ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي مِنْكَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَمِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ] الفروع لابن مفلح 11/145.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: [وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ أَعَانَهُمْ وَلَوْ أَنَّهُ لاقَ لَهُمْ دَوَاةً – لاَقَ الدواةَ: جعل لها لِيقَةً وأَصلح مِدَادَها فهي مَلِيقَة- أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: بَلْ مَنْ يَغْسِلُ ثِيَابَهُمْ مِنْ أَعْوَانِهِمْ. وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك، والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك، قال تعالى:(مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا)والشافع الذي يعين غيره فيصير معه شفعاً بعد أن كان وتراً، ولهذا فُسرت الشفاعة الحسنة بإعانة المؤمنين على الجهاد والشفاعة السيئة بإعانة الكفار على قتال المؤمنين كما ذكر ذلك ابن جرير…] مجموع الفتاوى.

وختاماً فاحذروا يا طلبةَ العلمِ ويا مَنْ تسمُّون أنفسَكم دعاةً وعلماءَ أن تكونوا من مشايخِ السُّوءِ وأعوانِ الظَّلمةِ. والله الهادي إلى سواء السبيل.

د. حسام الدين عفانة

فقيه ومفتي وكاتب فلسطيني، وأستاذ الفقه والأصول في جامعة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights