بحوث ودراسات

د. حسن سلمان يكتب: غايات قرآنية.. التطور التشريعي في الرسالات (1)

هذه المقالة تتناول التطور التشريعي منذ بداية الخليقة وهبوط الأبوين (آدم /حواء) وحتى بعثة خاتم النبيين والمرسلين

الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ليقوم الناس بالقسط وبعث الرسل والنبيين عليهم الصلاة والسلام قياما بالبلاغ والبيان المبين ووفاء بالوعد الإلهي في هداية الناس بعد هبوطهم للأرض حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وبهذا فلله الحجة البالغة على خلقه في الدنيا والآخرة.

 وسيتم في هذه المقالة تتناول التطور التشريعي منذ بداية الخليقة وهبوط الأبوين (آدم /حواء) وحتى بعثة خاتم النبيين والمرسلين في سياق إجمالي تطوري مع سيرورة وصيرورة التاريخ البشري.

ومن خلال السردية الشاملة المؤسسة على الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يخبرنا الكتاب العزيز عن نشأة الكون وبداية البشرية ومسيرتها الطويلة وهدايات السماء المصاحبة للإنسان منذ هبوطه إلى الأرض معبرة عن مواكبة منهجية وتشريعية للخلق في تطوره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وصولا للكمال الرسالي وتمام النعمة الربانية ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وكتابه القرآن الكريم الخالد الخاتم للمسيرة القاصدة إلى الله تعالى.

وهذه السرديات القصصية التي احتلت مساحة واسعة في كتاب الله تعالى هي من علوم النبوات ومعارفها وهي من قضايا الحق المطابق للواقع وليست خيالات أو أساطير أو تأليف لحكايات على غير مثال سابق ولهذا فقد وردت بصيغة (أنباء الغيب) في عدة آيات قرآنية وهي من آيات الحق المثبتة لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه موعظة وذكرى للمؤمنين قال تعالى: (وَكُلࣰّا نَّقُصُّ عَلَیۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَاۤءَكَ فِی هَـٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةࣱ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ) هود/١٢٠، وهذه الأنباء ما كانت معلومة وما كان لها أن تعلم بذات التفاصيل الواردة بغير الوحي المنزل من الله العليم الخبير كما في الآيات التالية:

 قال تعالى:

(ذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ) آل عمران/٤٤

(تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهَاۤ إِلَیۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَاۤ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَـٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَـٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِینَ) هود/٤٩

 (ذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوۤا۟ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ یَمۡكُرُونَ) يوسف/١٠٢

ومن خلال القصص والأنباء الواردة في كتاب الله تعالى يمكننا الوقوف على طبيعة التطور التشريعي والتراكم المنهجي والقيمي المواكب لحركة الإنسان من البداية التي كانت حالة أسرية محدودة ثم الحالة القومية الأوسع عددا وانتهاء بالخطاب العالمي للناس كافة وهو الأشمل موضوعا والأوسع مكانا والأكثر عددا نتناول ذلك في النقاط التالية:

أولا/ بداية الحياة الإنسانية في الأرض كانت مع آدم عليه السلام وزوجه حواء حيث تم تحديد طبيعة الوظيفة الأساسية للإنسان بالاستخلاف في الأرض قال تعالى: (وإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ ) البقرة/٣٠ وأخذ العهد والميثاق في عالم الذر على الإقرار بالربوبية ( ألست بربكم ) وتحديد طبيعة العدو ( الشيطان ) والتأكيد على تتابع هدايات السماء (فإما يأتينكم مني هدى) ومع الهبوط إلى الأرض بدأت التكاليف الشرعية بخطاب أسري(يا بني آدم) (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) وكان الناس في تلك الفترة أمة واحدة على الفطرة والتوحيد والتشريعات في حدها الأدنى فالتزاوج بين الإخوة والأخوات لم يكن في تشريع التحريم كما انتهى إليه في الشرائع اللاحقة بطبيعة الحال في البدايات.

ثانيا/ ومع مرور الوقت ابتعدت البشرية عن الفطرة وهدايات السماء وحقيقة التوحيد وتسرب إليها الشرك وعبادة الأصنام والأوثان فبعث الله تعالى أول رسول للبشرية وهو نوح عليه السلام وكانت رسالته متناسبة مع التطور البشري القومي وهو أوسع من الحالة الأسرية الأولى ومؤكدة لأصول الدين والتشريع من: (عبادة الله – التقوى – التوبة – الاستغفار- بر الوالدين – طاعة الرسول واتباعه ، إلخ …) ولم يكن في هذه المرحلة حديثا عن الحياة الحضرية المتقدمة من زراعة وعمران وتجارة ودولة وسلطان بطبيعة الحال ، وعندما بلغ البيان والبلاغ منتهاه والرفض والعصيان مبلغه كذلك كان العذاب العام وهو الطوفان الذي نجى الله تعالى منه نوح عليه السلام ومعه طائفة من المؤمنين قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) الشعراء/119-120

وبعد الطوفان العام وهلاك قوم نوح ونجاته ومن معه من المؤمنين عاشوا على الأرض مرة أخرى ولكن فيما يبدو على طاعة الله تعالى والتزام أمره واجتناب نهيه وعودة البشرية مرة أخرى إلى التوحيد والاتباع والطاعة وتحققت لهم نبوءة نوح عليه السلام فيما بعد ورأوا ثمار وآثار الطاعة والاستغفار التي أمرهم بها نوح عليه السلام في قوله تعالى: (فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا * یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا *وَیُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَ ٰ⁠لࣲ وَبَنِینَ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَـٰرࣰا ) نوح ١٠-١٢

وقد تحقق ذلك فعلا كما سيأتي في الحديث عن قوم هود عليه السلام.

ثالثا/ وبعد نوح بعث الله تعالى هودا لقومه وقد حدثت نهضة حضارية متمثلة في المزارع والعمران وتسخير الأنعام ونشأة البساتين والجنان والعيون والمصانع ولما كان هناك ارتباط بين الغنى والترف والتطور المادي وبين الطغيان فقد كانت مشكلة قوم هود عليه السلام هي الاستكبار والطغيان في الأرض قال تعالى: (فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ) فصلت/15

وقال تعالى: (أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِیعٍ ءَایَة تَعۡبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِینَ * فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ * وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِیۤ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنۡعَـٰمٍ وَبَنِینَ * وَجَنَّـٰتٍ وَعُیُونٍ) الشعراء/128-134 وهنا الحديث عن تسخير الأنعام وزيادة النمو السكاني بالبنين مع طفرة في الزراعة من بساتين وغيرها والعيون التي يتم الاستفادة منها بشكل متطور يدل عليها تعبير (المصانع) وهي مآجل للماء تحت الأرض أو مصانع الماء ومجاريها وأحواضها فهو تطور في أنماط التعاطي مع الماء والاستفادة منه في الشراب والزراعة والرعي وغيرها ونلاحظ في السياق القرآني بأن نبوءة نوح عليه السلام تحققت فيما بعد الطوفان واقعا ملموسا وذلك يدل على صلاح البشرية واستقامتها وتحقق وعد الله لهم بالخير والبركات فكان قول نوح عليه السلام ( يمددكم ) في الحال أو الاستقبال وقول هود عليه السلام

(أمدكم) حديث عن ماض تحقق وهكذا النبوات تصدق بعضها بعضا.

رابعا/ وتتواصل السردية القرآنية عن الرسل وأقوامهم ومعها يتم التعرف على حركة البشرية في سيرورتها وتطورها ويأتي الحديث عن رسول الله صالح عليه السلام وقومه وكانت مشكلتهم الكبرى بعد الكفر بالله تعالى هي الكفر بالآلاء والنعم والفساد في الارض قال تعالى: (وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَاۤءَ مِنۢ بَعۡدِ عَادࣲ وَبَوَّأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورࣰا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُیُوتࣰاۖ فَٱذۡكُرُوۤا۟ ءَالَاۤءَ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ) الأعراف/74.

وقد تميز قوم صالح عليه السلام بالتطور العمراني الفاره في نحت الجبال وليس البناء فوقها كما تميزوا بحيازة الأرض (السهلية) أي الأرض المقصورة والزراعة والفواكه والزروع والنخيل وصاحب هذه النعم التكذيب والفساد والإفساد في الأرض والإسراف في النعم قال تعالى: (كَذَّبَتۡ ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ * إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَـٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ * فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * أَتُتۡرَكُونَ فِی مَا هَـٰهُنَاۤ ءَامِنِینَ ۝١٤٦ فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ *وَزُرُوعࣲ وَنَخۡلࣲ طَلۡعُهَا هَضِیمࣱ * وَتَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتࣰا فَـٰرِهِینَ * فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ * وَلَا تُطِیعُوۤا۟ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِینَ * ٱلَّذِینَ یُفۡسِدُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا یُصۡلِحُونَ) الشعراء/141-152 ، وبذات النهج فقد ظل الخطاب قوميا محدودا زمانا مكانا وإنسانا وحتى هذه اللحظة التاريخية لم نجد حديثا عن ملك أو سلطان واسع ولكن الحديث يدور في سقوفه العليا حول الملأ وهي حالة أقرب للتنظيم القبلي أو القومي المحلي رغم التطور المادي والعمراني.

خامسا/ وبعد تلك المرحلة التاريخية الأولى في الرسالات  بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام وقد بلغت البشرية في تلك الفترة تطورا حضاريا كبيرا في بلاد الشام والعراق ومصر ومع إبراهيم عليه السلام حصلت تطورات تشريعية وقيمية ومنهجية كبيرة في الجدل العقدي والتوسع الشعائري وبدايات التعاطي جدلا ومدافعا مع ما يمكن أن نسميه الملك والسلطان والدولة الأكثر ترتيبا وتنظيما وسيطرة على حياة الناس وصاحب ذلك عملية الانتقال في الذرية النبوية حيث كان السابقون من الرسل من ذرية نوح عليه السلام وكل الرسل والأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام هم من ذريته قال تعالى: ( لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ) الحديد/25.

ومع مجيء رسالة إبراهيم عليه السلام وحركته في المنطقة تم تحديد وإبراز مناطق المقدسات الدينية والعواصم الكبرى في حركة التاريخ الرسالي (مكة والقدس والشام ومصر والعراق) وبذلك ظهرت الملة المنسوبة لإبراهيم عليه السلام بمعالمها التوحيدية والشعائرية والتشريعية وهي الحنيفية السمحة قال تعالى: (مِّلَّةَ أَبِیكُمۡ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ مِن قَبۡلُ وَفِی هَـٰذَا لِیَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیۡكُمۡ وَتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِیرُ) الحج/78

سادسا/ وفي ذات الفترة التاريخية التي بعث الله تعالى فيها إبراهيم عليه السلام واكب بعثته بعثة ابن أخيه لوط عليه السلام في قوم فشت فيهم الفاحشة الخاصة بإتيان الرجال للرجال فكان جوهر رسالته هو التوحيد والتقوى والطاعة والتوبة والاستغفار والعفة والطهر الأخلاقي وترك الفساد في الأرض وترك الفواحش قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَد مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَة مِّن دُونِ ٱلنِّسَاۤءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡم مُّسۡرِفُونَ ﴾الأعراف ٨٠-٨١

﴿وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * أَىِٕنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِیلَ وَتَأۡتُونَ فِی نَادِیكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ * قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُفۡسِدِینَ) العنكبوت28/30.

ونجمل مشكلات قوم لوط والتي بعث الله تعالى لها رسولا لمحاربتها والنهي عنها فيما يلي:

1/ غياب التوحيد والتقوى مع تكذيب الرسالات وعصيان الرسل وعدم طاعتهم.

2/ الظهور لأول مرة في التاريخ البشري الفاحشة المتمثلة في إتيان الرجال للرجال (المثلية).

3/ قطع طرق المسافرين (وتقطعون السبيل) والعدوان عليهم.

4/ إتيان الفواحش والمنكرات في المجالس العامة (قولا وفعلا).

5/ نشر الفساد وحمايته وجعله جزءًا من المنظومة العامة للمجتمع.

سابعا: ومع التطور الحضاري في الزراعة والرعي والعمران ظهرت كذلك عملية التجارة وهي تطور العمليات التبادلية في السلع والخدمات وغيرها وما ينشأ عن ذلك من الكيل والميزان والتطفيف فيهما والبخس أو العدالة وترك المظالم ولمعالجة هذه الظواهر في السلوك البشري بعث الله تعالى رسوله شعيب عليه السلام لرسم معالم الرؤية الاقتصادية العادلة وضبط العمليات التجارية بالتراضي دون بخس أو ظلم أو تطفيف في الكيل والميزان المؤدي للظلم وأكل أموال الناس بالباطل قال تعالى:

(وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَۖ إِنِّیۤ أَرَىٰكُم بِخَیۡرࣲ وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ مُّحِیطࣲ* وَیَـٰقَوۡمِ أَوۡفُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ * بَقِیَّتُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَۚ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ * قَالُوا۟ یَـٰشُعَیۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَاۤ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِیۤ أَمۡوَ ٰ⁠لِنَا مَا نَشَـٰۤؤُا۟ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِیمُ ٱلرَّشِیدُ * قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَرَءَیۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَرَزَقَنِی مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنࣰاۚ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَاۤ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ ) هود84/88

وجوهر مشكلة قوم شعيب هي المشكلة الاقتصادية بكل تفاصيلها وما يحصل فيها من مظالم وفساد يتطلب الصلاح والإصلاح من خلال التذكير بالله والدار الآخرة وهو جوهر دعوة شعيب عليه السلام المتمثل في الآتي:

1/ التوحيد والتذكير بالآخرة وهو منطلق الدعوة لكل رسول كما هو منطلق شعيب عليه السلام في دعوته.

2/ الإصلاح الاقتصادي ومحاربة مظاهر الفساد التجاري والمالي وتحديد معايير ذلك بضبط عملية المكاييل والموازيين تجنبا للمظالم.

3/ إعلاء قيمة العدالة في المجال التجاري والمالي ومحاربة الظلم في ذلك وما أكثرها قال تعالى: (أَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُخۡسِرِینَ * وَزِنُوا۟ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِیمِ * وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ * وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِینَ * قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِینَ) الشعراء182/185.

وللمقال تتمة إن شاء الله تعالى.

د. حسن سلمان

باحث في الدراسات الشرعية والسياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى